عليكم اعتدوا بمثل ما اعتدى عليكم) وهو فذلكة مقررة لما قبلها «واتقوا الله» في شأن الانتصار واحذروا أن تعتدوا إلى ما لم يرخص لكم «واعلموا أن الله مع المتقين» فيحرسهم ويصلح شؤونهم بالنصر والتمكين «وأنفقوا في سبيل الله» أمر بالجهاد بالمال بعد الأمر به بالأنفس أي ولا تمسكوا كل الامساك «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة» بالاسراف وتضييع وجه المعاش أو بالكف عن الغزو والانفاق فيه فإن ذلك مما يقوى العدو ويسلطهم عليكم ويؤيده ما روى عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنه قال لما أعز الله الاسلام وكثر أهله رجعنا إلى أهالينا وأموالنا نقيم فيها ونصلحها فنزلت أو بالامساك وحب المال فإنه يؤدي إلى الهلاك المؤبد ولذلك سمى البخل هلاكا وهو في الأصل انتهاء الشيء في الفساد والالقاء طرح الشيء وتعديته بإلى لتضمنه معنى الانتهاء والباء مزيدة والمراد بالأيدي الأنفس والتهلكة مصدر كالتنصرة والتسترة وهي والهلك والهلاك واحد أي لا توقعوا أنفسكم في الهلاك وقيل معناه لا تجعلوها آخذة بأيديكم أولا تلقوا بأيديكم أنفسكم إليها فحذف المفعول «وأحسنوا» أي اعمالكم وأخلاقكم أو تفضلوا على الفقراء «إن الله يحب المحسنين» أي يريد بهم الخير وقوله تعالى «وأتموا الحج والعمرة لله» بيان لوجوب اتمام افعالهما عند التصدي لأدائهما وارشاد للناس إلى تدارك ما عسى يعتريهم من العوارض المخلة بذلك من الاحصار ونحوه من غير تعرض لحالها في أنفسهما من الوجوب وعدمه كما في قوله تعالى ثم أتموا الصيام إلى الليل فإنه بيان لوجوب مد الصيام إلى الليل من غير تعرض لوجوب أصله وانما هو بقوله تعالى كتب عليكم الصيام الآية كما أن وجوب الحج بقوله تعالى ولله على الناس حج البيت الآية فإن الأمر بإتمام فعل من الأفعال ليس أمرا بأصله ولا مستلزما له أصلا فليس فيه دليل على وجوب العمرة قطعا وادعاء أن الأمر بإتمامهما أمر بإنشائهما تامين كاملين حسبما تقتضيه قراءة وأقيموا الحج والعمرة وأن الأمر للوجوب ما لم يدل على خلافه دليل مما لا سداد له ضرورة أن ليس البيان مقصورا على أفعال الحج المفروض حتى يتصور ذلك بل الحق ان تلك القراءة أيضا محمولة على المشهورة ناطقة بوجوب إقامة افعالهما كما ينبغي من غير تعرض لحالهما في أنفسهما فالمعنى أكملوا أركانهما وشرائطهما وسائر افعالهما المعروفة شرعا لوجه الله تعالى من غير اخلال منكم بشيء منها هذا وقد قيل اتمامهما ان تحرم
(٢٠٥)