الأجناس والتعريف لاستغراق أفراد كل منها بأسرها إذ لو أفرد لربما توهم أن المقصود بالتعريف هو الحقيقة من حيث هي أو استغراق إفراد جنس واحد على الوجه الذي أشير إليه في تعريف الحمد وحيث صح ذلك بمساعدة التعريف نزل العالم وإن لم ينطلق على آحاد مدلولة منزلة الجمع حتى قيل أنه جمع لا واحد له من لفظه فكما أن الجمع المعرف يستغرق آحاد مفرده وإن لم يصدق عليها كما في مثل قوله تعالى والله يحب المحسنين أي كل محسن كذلك العالم يشمل أفراد الجنس المسمى به وإن لم ينطلق عليها كأنها آحاد مفرده التقديري ومن قضية هذا التنزيل تنزيل جمعه منزلة جمع الجمع فكما أن الأقاويل يتناول كل واحد من آحاد الأقوال يتناول لفظ العالمين كل واحد من آحاد الجناس التي لا تكاد تحصى روى عن وهب ابن منبه أنه قال لله تعالى ثمانية عشر ألف عالم والدنيا عالم منها وإنما جمع بالواو والنون مع اختصاص ذلك بصفات العقلاء وما في حكمها من الاعلام لدلالته على معنى العلم مع اعتبار تغليب العقلاء على غيرهم واعلم ان عدم انطلاق اسم العالم على كل واحد من تلك الآحاد ليس الا باعتبار الغلبة والاصطلاح واما باعتبار الأصل فلا ريب في صحة الاطلاق قطعا لتحقيق المصداق حتما فإنه كما يستدل على الله سبحانه بمجموع ما سواه وبكل جنس من أجناسه يستدل عليه تعالى بكل جزء من اجزاء ذلك المجموع وبكل فرد من افراد تلك الأجناس لتحقق الحاجة إلى المؤثر الواجب لذاته في الكل فإن كل ما ظهر في المظاهر مما عزو هان وحضر في هذه المحاضر كائنا ما كان دليل لائح على الصانع المجيد وسبيل واضح إلى عالم التوحيد واما شمول ربوبيته عز وجل للكل فما لا حاجة إلى بيانه إذ لا شيء مما أحدق به نطاق الامكان والوجود من العلويات والسفليات والمجردات والماديات والروحانيات والجسمانيات الا وهو في حد ذاته بحيث لو فرض انقطاع آثار التربية عنه آنا واحدا لما استقر له القرار ولا اطمأنت به الدار الا في مطمورة العدم ومهاوى البوار لكن يفيض عليه من الجناب الأقدس تعالى شأنه وتقدس في كل زمان يمضي وكل آن يمر وينقضي من فنون الفيوض المتعلقة بذاته ووجوده وصفاته وكمالاته ما لا يحيط به فلك التعبير ولا يعلمه الا العليم الخبير ضرورة انه كما لا يستحق شيء من الممكنات بذاته الوجود ابتداء لا يستحقه بقاء وانما ذلك من جناب المبدأ الأول عز وعلا فكما لا يتصور وجوده ابتداء ما لم ينسد عليه جميع انحاء عدمه الأصلي لا يتصور بقاؤه على الوجود بعد تحققه بعلته ما لم ينسد عليه جميع انحاء عدمه الطارىء لما ان الدوام من خصائص الوجود الواجبي وظاهر ان ما يتوقف عليه وجوده من الأمور الوجودية التي هي علله وشرائطه وإن كانت متناهية لوجوب تناهي ما دخل تحت الوجود لكن الأمور العدمية التي لها دخل في وجوده وهي المعبر عنها بارتفاع الموانع ليست كذلك إذ لا استحالة في ان يكون لشيء واحد موانع غير متناهية يتوقف وجوده أو بقاؤه على ارتفاعها أي بقائها على العدم مع إمكان وجودها في نفسها فإبقاء تلك الموانع التي لا تتناهى على العدم تربية لذلك الشيء من وجوه غير متناهية وبالجملة فآثار تربيته عز وجل الفائضة على كل فرد من افراد الموجودات في كل آن من آنات الوجود غير متناهية فسبحانه سبحانه ما أعظم سلطانه لا تلاحظه العيون بأنظارها ولا تطالعه العقول بأفكارها شأنه لا يضاهي وإحسانه لا يتناهى ونحن في معرفته حائرون وفي إقامة مراسم شكره قاصرون نسألك اللهم الهداية
(١٤)