من الدقة لأنه في الأصل عبارة عن كل ما لطف مأخذه وخفي سببه أو من الصرف عن الجهة المعتادة لما انه في أصل اللغة الصرف على ما حكاه الأزهري عن الفراء ويونس «وما أنزل على الملكين» عطف على السحر أي ويعلمونهم ما أنزل عليهما والمراد بهما واحد والعطف لتغاير الاعتبار أو هو نوع أقوى منه أو على ما تتلو وما بينهما اعتراض أي واتبعوا ما أنزل الخ وهما ملكان أنزلا لتعليم السحر ابتلاء من الله للناس كما ابتلى قوم طالوت بالنهر أو تمييزا بينه وبين المعجزة لئلا يغتر به الناس أو لأن السحرة كثرت في ذلك الزمان واستنبطت أبوابا غريبة من السحر وكانوا يدعون النبوة فبعث الله تعالى هذين الملكين ليعلما الناس أبواب السحر حتى يتمكنوا من معارضة أولئك الكذابين وإظهار أمرهم على الناس وأما ما يحكى من أن الملائكة عليهم السلام لما رأوا ما يصعد من ذنوب بني آدم عيروهم وقالوا لله سبحانه هؤلاء الذين اخترتهم لخلافة الأرض يعصونك فيها فقال عز وجل لو ركبت فيكم ما ركبت فيهم لعصيتموني قالوا سبحانك ما ينبغي لنا أن نعصيك قال تعالى فاختاروا من خياركم ملكين فاختاروا هاروت وماروت وكانا من أصلحهم وأعبدهم فأهبطا إلى الأرض بعد ما ركب فيهما ما ركب في البشر من الشهوة وغيرها من القوى ليقضيا بين الناس نهارا ويعرجا إلى السماء مساء وقد نهيا عن الإشراك والقتل بغير الحق وشرب الخمر والزنا وكانا يقضيان بينهم نهارا فإذا أمسيا ذكرا اسم الله الأعظم فصعدا إلى السماء فاختصمت إليهما ذات يوم امرأة من أجمل النساء تسمى زهرة وكانت من لخم وقيل كانت من أهل فارس ملكة في بلدها وكانت خصومتها مع زوجها فلما رأياها افتتنا بها فراوداها عن نفسها فأبت فألحا عليها فقالت لا إلا أن تقضيا لي على خصمي ففعلا ثم سألاها ما سألا فقالت لا إلا أن تقتلاه ففعلا ثم سألاها ما سألا فقالت لا إلا أن تشربا الخمر وتسجدا للصنم ففعلا كلا من ذلك بعد اللتيا والتي ثم سألاها ما سألا فقالت لا إلا ان تعلماني ما تصعدان به إلى السماء فعلماها الاسم الأعظم فدعت به وصعدت إلى السماء فمسخها الله سبحانه كوكبا فهما بالعروج حسب عادتهما فلم تطعهما أجنحتهما فعلما ما حل بهما وكان في عهد إدريس عليه السلام فالتجآ إليه ليشفع لهما ففعل فخيرهما الله تعالى بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فاختارا الأول لانقطاعه عما قليل فهما معذبان ببابل قيل معلقان بشعورهما وقيل منكوسان يضربان بسياط الحديد إلى قيام الساعة فمما لا تعويل عليه لما أن مداره رواية اليهود مع ما فيه من المخالفة لأدلة العقل والنقل ولعله من مقولة الأمثال والرموز التي قصد بها إرشاد اللبيب الأريب بالترغيب والترهيب وقيل هما رجلان سميا ملكين لصلاحهما ويعضده قراءة الملكين بالكسر «ببابل» الباء بمعنى في وهي متعلقة بأنزل أو بمحذوف وقع حالا من الملكين أو من الضمير في انزل وهي بابل العراق وقال ابن مسعود رضي الله عنه بابل أرض الكوفة وقيل جبل دماوند ومنع الصرف للعجمة والعلمية أو للتأنيث والعلمية «هاروت وماروت» عطف بيان للملكين علمان لهما ومنع صرفهما للعجمية والعلمية ولو كانا من الهرت والمرت بمعنى الكسر لانصرفا وأما من قرأ الملكين بكسر اللام أو قال كانا رجلين صالحين فقال هما اسمان لهما وقيل هما اسما قبيلتين من الجن هما المراد من الملكين بالكسر وقرئ بالرفع على هما هاروت وماروت «وما يعلمان من أحد» من مزيدة في المفعول به لإفادة تأكيد الاستغراق الذي يفيده أحد لا لإفادة نفس الاستغراق كما في قولك
(١٣٨)