أتبعه إياه أي أرسلناهم على أثره كقوله تعالى ثم «أرسلنا رسلنا تترا» وهم يوشع وأشمويل وشمعون وداود وسليمان وشعيا وأرميا وعزير وحزقيل والياس واليسع ويونس وزكريا ويحيى وغيرهم عليهم الصلاة والسلام «وآتينا عيسى ابن مريم البينات» المعجزات الواضحات من إحياء الموتى وابراء الأكمه والأبرص والإخبار بالمغيبات أو الإنجيل وعيسى بالسريانية أيشوع ومعناه المبارك ومريم بمعنى الخادم وهو بالعبرية من النساء كالزير من الرجال وبه فسر قول رؤبة * قلت لزير لم تصله مريمه * ضليل أهواء الصبا تندمه * ووزنه مفعل إذ لم يثبت فعيل «وأيدناه» أي قويناه وقرئ وآيدناه «بروح القدس» بضم الدال وقرئ بسكونها أي بالروح المقدسة وهي روح عيسى عليه السلام كقولك حاتم الجود ورجل صدق وانما وصفت بالقدس لكرامته أو لأنه عليه السلام لم تضمه الأصلاب ولا أرحام الطوامث وقيل بجبريل عليه السلام وقيل بالإنجيل كما قيل في القرآن «روحا من أمرنا» وقيل باسم الله الأعظم الذي كان يحيي الموتى بذكره وتخصيصه من بين الرسل عليهم السلام بالذكر ووصفه بما ذكر من إيتاء البينات والتأييد بروح القدس لما أن بعثتهم كانت لتنفيذ أحكام التوراة وتقريرها وأما عيسى عليه السلام فقد نسخ بشرعه كثير من أحكامها ولحسم مادة اعتقادهم الباطل في حقه عليه السلام ببيان حقيته واظهار كمال قبح ما فعلوا به عليه السلام «أفكلما جاءكم رسول» من أولئك الرسل «بما لا تهوى أنفسكم» من الحق الذي لا محيد عنه أي لا تحبه من هوى كفرح إذا أحب والتعبير عنه بذلك للإيذان بأن مدار الرد والقبول عندهم هو المخالفة لأهواء أنفسهم والموافقة لها لا شيء آخر وتوسيط الهمزة بين الفاء وما تعلقت به من الافعال السابقة لتوبيخهم على تعقيبهم ذلك بهذا وللتعجيب من شأنهم ويجوز كون الفاء للعطف على مقدر يناسب المقام أي ألم تطيعوهم فكلما جاءكم رسول منهم بما لا تهوى أنفسكم «استكبرتم» عن الاتباع له والايمان بما جاء به من عند الله تعالى «ففريقا» منهم «كذبتم» من غير أن تتعرضوا لهم بشيء آخر من المضار والفاء للسببية أو للتعقيب «وفريقا» آخر منهم «تقتلون» غير مكتفين بتكذيبهم كزكريا ويحيى وغيرهما عليهم السلام وتقديم فريقا في الموضعين للاهتمام وتشويق السامع إلى ما فعلوا بهم لا للقصر وايثار صيغة الاستقبال في القتل لاستحضار صورته الهائلة أو للإيماء إلى أنهم بعد على تلك النية حيث هموا مما لم ينالوه من جهته عليه السلام وسحروه وسمموا له الشاة حتى قال صلى الله عليه وسلم ما زالت أكلة خيبر تعاودني فهذا أوان قطعت أبهري «وقالوا» بيان لفن آخر من قبائحهم على طريق الالتفات إلى الغيبة اشعارا بإبعادهم عن رتبة الخطاب لما فصل من مخازيهم الموجبة للاعراض عنهم وحكاية نظائرها لكل من يفهم بطلانها وقباحتها من أهل الحق والقائلون هم الموجودون في عصر النبي عليه الصلاة والسلام «قلوبنا غلف» جمع أغلف مستعار من الأغلف الذي لم يختن أي مغشاة بأغشية جبلية لا يكاد يصل إليها ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ولا تفقه كقولهم «قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه» وقيل هو تخفيف غلف جمع غلاف ويؤيده ما روى عن أبي عمرو من القراءة بضمتين يعنون ان قلوبنا أوعية للعلوم فنحن مستغنون بما عندنا عن
(١٢٧)