تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ١٢٧
أتبعه إياه أي أرسلناهم على أثره كقوله تعالى ثم «أرسلنا رسلنا تترا» وهم يوشع وأشمويل وشمعون وداود وسليمان وشعيا وأرميا وعزير وحزقيل والياس واليسع ويونس وزكريا ويحيى وغيرهم عليهم الصلاة والسلام «وآتينا عيسى ابن مريم البينات» المعجزات الواضحات من إحياء الموتى وابراء الأكمه والأبرص والإخبار بالمغيبات أو الإنجيل وعيسى بالسريانية أيشوع ومعناه المبارك ومريم بمعنى الخادم وهو بالعبرية من النساء كالزير من الرجال وبه فسر قول رؤبة * قلت لزير لم تصله مريمه * ضليل أهواء الصبا تندمه * ووزنه مفعل إذ لم يثبت فعيل «وأيدناه» أي قويناه وقرئ وآيدناه «بروح القدس» بضم الدال وقرئ بسكونها أي بالروح المقدسة وهي روح عيسى عليه السلام كقولك حاتم الجود ورجل صدق وانما وصفت بالقدس لكرامته أو لأنه عليه السلام لم تضمه الأصلاب ولا أرحام الطوامث وقيل بجبريل عليه السلام وقيل بالإنجيل كما قيل في القرآن «روحا من أمرنا» وقيل باسم الله الأعظم الذي كان يحيي الموتى بذكره وتخصيصه من بين الرسل عليهم السلام بالذكر ووصفه بما ذكر من إيتاء البينات والتأييد بروح القدس لما أن بعثتهم كانت لتنفيذ أحكام التوراة وتقريرها وأما عيسى عليه السلام فقد نسخ بشرعه كثير من أحكامها ولحسم مادة اعتقادهم الباطل في حقه عليه السلام ببيان حقيته واظهار كمال قبح ما فعلوا به عليه السلام «أفكلما جاءكم رسول» من أولئك الرسل «بما لا تهوى أنفسكم» من الحق الذي لا محيد عنه أي لا تحبه من هوى كفرح إذا أحب والتعبير عنه بذلك للإيذان بأن مدار الرد والقبول عندهم هو المخالفة لأهواء أنفسهم والموافقة لها لا شيء آخر وتوسيط الهمزة بين الفاء وما تعلقت به من الافعال السابقة لتوبيخهم على تعقيبهم ذلك بهذا وللتعجيب من شأنهم ويجوز كون الفاء للعطف على مقدر يناسب المقام أي ألم تطيعوهم فكلما جاءكم رسول منهم بما لا تهوى أنفسكم «استكبرتم» عن الاتباع له والايمان بما جاء به من عند الله تعالى «ففريقا» منهم «كذبتم» من غير أن تتعرضوا لهم بشيء آخر من المضار والفاء للسببية أو للتعقيب «وفريقا» آخر منهم «تقتلون» غير مكتفين بتكذيبهم كزكريا ويحيى وغيرهما عليهم السلام وتقديم فريقا في الموضعين للاهتمام وتشويق السامع إلى ما فعلوا بهم لا للقصر وايثار صيغة الاستقبال في القتل لاستحضار صورته الهائلة أو للإيماء إلى أنهم بعد على تلك النية حيث هموا مما لم ينالوه من جهته عليه السلام وسحروه وسمموا له الشاة حتى قال صلى الله عليه وسلم ما زالت أكلة خيبر تعاودني فهذا أوان قطعت أبهري «وقالوا» بيان لفن آخر من قبائحهم على طريق الالتفات إلى الغيبة اشعارا بإبعادهم عن رتبة الخطاب لما فصل من مخازيهم الموجبة للاعراض عنهم وحكاية نظائرها لكل من يفهم بطلانها وقباحتها من أهل الحق والقائلون هم الموجودون في عصر النبي عليه الصلاة والسلام «قلوبنا غلف» جمع أغلف مستعار من الأغلف الذي لم يختن أي مغشاة بأغشية جبلية لا يكاد يصل إليها ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ولا تفقه كقولهم «قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه» وقيل هو تخفيف غلف جمع غلاف ويؤيده ما روى عن أبي عمرو من القراءة بضمتين يعنون ان قلوبنا أوعية للعلوم فنحن مستغنون بما عندنا عن
(١٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271