ما جاءني من رجل وقرئ يعلمان من الإعلام «حتى يقولا إنما نحن فتنة» الفتنة الاختبار والامتحان وإفرادها مع تعددهما لكونهما مصدرا وحملها عليهما مواطأة للمبالغة كأنهما نفس الفتنة والقصر لبيان أنه ليس لهما فيما يتعاطيانه شأن سواها لينصرف الناس عن تعلمه أي وما يعلمان ما انزل عليهما من السحر أحدا من طالبيه حتى ينصحاه قبل التعليم ويقولا له إنما نحن فتنة وابتلاء من الله عز وجل فمن عمل بما تعلم منا واعتقد حقيته كفر ومن توقى عن العمل به أو اتخذه ذريعة للاتقاء عن الاغترار بمثله بقي على الأيمان 6 «فلا تكفر» باعتقاد حقيته وجواز العمل به والظاهر أن غاية النفي ليست هذه المقالة فقط بل من جملتها التزام المخاطب بموجب النهي لكن لم يذكر لظهوره وكون الكلام في بيان اعتناء الملكين بشأن النصح والإرشاد والجملة في محل النصب على الحالية من ضمير يعلمون لا معطوفة عليه كما قيل أي ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ويحملونهم على العمل به إغواء وإضلالا والحال أنهما ما يعلمان أحدا حتى ينهياه عن العمل به والكفر بسببه وأما ما قيل من أن ما في قوله تعالى وما أنزل الخ نافية والجملة معطوفة على قوله تعالى وما كفر سليمان جئ بها لتكذيب اليهود في القصة أي لم ينزل على الملكين إباحة السحر وأن هاروت وماروت بدل من الشياطين على أنهما قبيلتان من الجن خصتا بالذكر لأصالتهما وكون باقي الشياطين أتباعا لهما وان المعنى ما يعلمان أحدا حتى يقولا أنما نحن فتنة فلا تكفر فتكون مثلنا فيأباه أن مقام وصف الشيطان بالكفر وإضلال الناس مما لا يلائمه وصف رؤسائهم بما ذكر من النهي عن الكفر مع ما فيه من الإخلال بنظام الكلام فإن الإبدال في حكم تنحية المبدل منه «فيتعلمون منهما» عطف على الجملة المنفية فإنها في قوة المثبتة كأنه قيل يعلمانهم بعد قولهما أنما نحن الخ والضمير لأحد حملا على المعنى كما في قوله تعالى فما منكم من أحد عنه حاجزين «ما يفرقون به» أي بسببه وباستعماله «بين المرء» وقرئ بضم الميم وكسرها مع الهمزة وتشديد الراء بلا همزة «وزوجه» بأن يحدث الله تعالى بينهما التباغض والفرك والنشوز عند ما فعلوا ما فعلوا من السحر على حسب جري العادة الإلهية من خلق المسببيات عقيب حصول الأسباب العادية ابتلاء لا أن السحر هو المؤثر في ذلك وقيل فيتعلمون منهما ما يعملون به فيراه الناس ويعتقدون أنه حق فيكفرون فتبين أزواجهم «وما هم بضارين به» أي بما تعلموه واستعملوه من السحر «من أحد» أي أحدا ومن مزيدة لما ذكر في قوله تعالى وما يعلمان من أحد والمعهود وإن كان زيادتها في معمول فعل منفي إلا أنه حملت الأسمية في ذلك على الفعلية كأنه قيل وما يضرون به من أحد «إلا بإذن الله» لأنه وغيره من الأسباب بمعزل من التأثير بالذات وإنما هو بأمره تعالى فقد يحدث عند استعمالهم السحر فعلا من أفعاله ابتلاء وقد لا يحدثه والاستثناء مفرغ والباء متعلقة بمحذوف وقع حالا من ضمير ضارين أو من مفعوله وإن كان نكرة لاعتمادها على النفي أو الضمير المجرور في به أي وما يضرون به أحدا إلا مقرونا بإذن الله تعالى وقرئ بضاري على الإضافة بجعل الجار جزءا من المجرور وفصل ما بين المضافين بالظرف «ويتعلمون ما يضرهم» لأنهم يقصدون به العمل أو لأن العلم يجر إلى العمل غالبا «ولا ينفعهم» صرح بذلك إيذانا بأنه ليس من الأمور المشوبة بالنفع والضرر بل هو شر بحت وضرر محض لأنهم لا يقصدون به التخلص عن الاغترار بأكاذيب من يدعي النبوة
(١٣٩)