ليس على تلك الصفة من الكفرة لا يجترئ على الكفر بمثل هاتيك البينات قال الحسن إذا استعمل الفسق في نوع من المعاصي وقع على أعظم أفراد ذلك النوع من كفر أو غيره وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال قال ابن صوريا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما جئتنا بشئ نعرفه وما انزل عليك من آية فنتبعك لها فنزلت واللام للعهد أي الفاسقون المعهودون وهم أهل الكتاب المحرفون لكتابهم الخارجون عن دينهم أو للجنس وهم داخلون فيه دخولا أوليا «أو كلما عاهدوا عهدا» الهمزة للإنكار والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي اكفروا بها وهي غاية الوضوح وكلما عاهدوا عهدا ومن جملة ذلك ما أشير إليه في قوله تعالى «وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا» من قولهم للمشركين قد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وإرم وقرئ بسكون الواو على أن تقدير النظم الكريم وما يكفر بها إلا الذين فسقوا أو نقضوا عهودهم مرارا كثيرة وقرئ عوهدوا وعهدوا وقوله تعالى عهدا إما مصدر مؤكد لعاهدوا من غير لفظه أو مفعول له على أنه بمعنى أعطوا العهد «نبذه فريق منهم» أي راموا بالزمام ورفضوه وقرئ نقضه وإسناد النبذ إلى فريق منهم لأن منهم من لم ينبذه «بل أكثرهم لا يؤمنون» أي بالتوراة وهذا دفع لما يتوهم من أن النابذين هم الأقلون وان من لم ينبذ جهارا فهم يؤمنون بها سرا «ولما جاءهم رسول» هو النبي صلى الله عليه وسلم ولتنكير للتفخيم «من عند الله» متعلق بحاء أو بمحذوف وقع صفة لرسول لإفادة مزيد تعظيمه بتأكيد ما افاده التنكير من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية «مصدق لما معهم» من التوراة من حيث أنه صلى الله عليه وسلم قرر صحتها وحقق حقية نبوة موسى عليه الصلاة والسلام بما انزل عليه أو من حيث انه عليه السلام جاء على وفق ما نعت فيها «نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب» اى التوراة وهم اليهود الذين كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ممن كانوا يستفتحون به قبل ذلك لا الذين كانوا في عهد سليمان عليه السلام كما قيل لأن النبذ عند مجيء النبي صلى الله عليه وسلم لا يتصور منهم وإفراد هذا النبذ بالذكر مع اندراجه تحت قوله عز وجل «أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم» لأنه معظم جناياتهم ولأنه تمهيد لذكر اتباعهم لما تتلو الشياطين وايثارهم له عليه والمراد بإيتائها اما إيتاء علمها بالدراسة والحفظ والوقوف على ما فيها فالموصول عبارة عن علمائهم واما مجرد إنزالها عليهم فهو عبارة عن الكل وعلى التقديرين فوضعه موضع الضمير لللإيذان بكمال التنافي بين ما أثبت لهم في حيز الصلة وبين ما صدر عنهم من النبذ «كتاب الله» اي الذي أوتوه قال السدى لما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم عارضوه بالتوراة فاتفقت التوراة والفرقان فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصف وسحر هاروت وماروت فلم يوافق القرآن فهذا قوله تعالى «ولما جاءهم رسول من عند الله» الخ وانما عبر عنها بكتاب الله تشريفا لها وتعظيما لحقها عليهم وتهويلا لما اجترؤا عليه من الكفر
(١٣٥)