تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ١٣٥
ليس على تلك الصفة من الكفرة لا يجترئ على الكفر بمثل هاتيك البينات قال الحسن إذا استعمل الفسق في نوع من المعاصي وقع على أعظم أفراد ذلك النوع من كفر أو غيره وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال قال ابن صوريا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما جئتنا بشئ نعرفه وما انزل عليك من آية فنتبعك لها فنزلت واللام للعهد أي الفاسقون المعهودون وهم أهل الكتاب المحرفون لكتابهم الخارجون عن دينهم أو للجنس وهم داخلون فيه دخولا أوليا «أو كلما عاهدوا عهدا» الهمزة للإنكار والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي اكفروا بها وهي غاية الوضوح وكلما عاهدوا عهدا ومن جملة ذلك ما أشير إليه في قوله تعالى «وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا» من قولهم للمشركين قد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وإرم وقرئ بسكون الواو على أن تقدير النظم الكريم وما يكفر بها إلا الذين فسقوا أو نقضوا عهودهم مرارا كثيرة وقرئ عوهدوا وعهدوا وقوله تعالى عهدا إما مصدر مؤكد لعاهدوا من غير لفظه أو مفعول له على أنه بمعنى أعطوا العهد «نبذه فريق منهم» أي راموا بالزمام ورفضوه وقرئ نقضه وإسناد النبذ إلى فريق منهم لأن منهم من لم ينبذه «بل أكثرهم لا يؤمنون» أي بالتوراة وهذا دفع لما يتوهم من أن النابذين هم الأقلون وان من لم ينبذ جهارا فهم يؤمنون بها سرا «ولما جاءهم رسول» هو النبي صلى الله عليه وسلم ولتنكير للتفخيم «من عند الله» متعلق بحاء أو بمحذوف وقع صفة لرسول لإفادة مزيد تعظيمه بتأكيد ما افاده التنكير من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية «مصدق لما معهم» من التوراة من حيث أنه صلى الله عليه وسلم قرر صحتها وحقق حقية نبوة موسى عليه الصلاة والسلام بما انزل عليه أو من حيث انه عليه السلام جاء على وفق ما نعت فيها «نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب» اى التوراة وهم اليهود الذين كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ممن كانوا يستفتحون به قبل ذلك لا الذين كانوا في عهد سليمان عليه السلام كما قيل لأن النبذ عند مجيء النبي صلى الله عليه وسلم لا يتصور منهم وإفراد هذا النبذ بالذكر مع اندراجه تحت قوله عز وجل «أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم» لأنه معظم جناياتهم ولأنه تمهيد لذكر اتباعهم لما تتلو الشياطين وايثارهم له عليه والمراد بإيتائها اما إيتاء علمها بالدراسة والحفظ والوقوف على ما فيها فالموصول عبارة عن علمائهم واما مجرد إنزالها عليهم فهو عبارة عن الكل وعلى التقديرين فوضعه موضع الضمير لللإيذان بكمال التنافي بين ما أثبت لهم في حيز الصلة وبين ما صدر عنهم من النبذ «كتاب الله» اي الذي أوتوه قال السدى لما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم عارضوه بالتوراة فاتفقت التوراة والفرقان فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصف وسحر هاروت وماروت فلم يوافق القرآن فهذا قوله تعالى «ولما جاءهم رسول من عند الله» الخ وانما عبر عنها بكتاب الله تشريفا لها وتعظيما لحقها عليهم وتهويلا لما اجترؤا عليه من الكفر
(١٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271