تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ١٣٢
الآخرة «عند الله خالصة» أي سالمة لكم خاصة بكم كما تدعون أنه لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ونصبها على الحالية من الدار وعند ظرف للاستقرار في الخبر أعنى لكم وقوله تعالى «من دون الناس» في محل النصب بخالصة يقال خلص لي كذا من كذا واللام للجنس أي الناس كافة أو للعهد أي المسلمين «فتمنوا الموت» فإن من أيقن بدخول الجنة اشتاق إلى التخلص إليها من دار البوار وقرارة الأكدار لا سيما إذا كانت خالصة له كما قال على كرم الله وجهه لا أبالي أسقطت على الموت أو سقط الموت على وقال عمار بن ياسر بصفين * الآن ألاقي الأحبة * محمدا وحزبه * وقال حذيفة بن اليمان حين احتضر وقد كان يتمنى الموت قبل * جاء حبيب على فاقة * فلا أفلح اليوم من قد ندم * أي على التمني وقوله تعالى «إن كنتم صادقين» تكرير للكلام لتشديد الإلزام وللتنبيه على أن ترتب الجواب ليس على تحقق الشرط في نفس الأمر فقط بل في اعتقادهم أيضا وأنهم قد ادعوا ذلك والجواب محذوف ثقة بدلالة ما سبق عليه أي أن كنتم صادقين فتمنوه وقوله تعالى «ولن يتمنوه أبدا» كلام مستأنف غير داخل تحت الأمر سيق من جهته سبحانه لبيان ما يكون منهم من الإحجام عما دعوا إليه الدال على كذبهم في دعواهم «بما قدمت أيديهم» بسبب ما عملوا من المعاصي الموجبة لدخول النار كالكفر بالنبي عليه السلام والقرآن وتحريف التوراة ولما كانت اليد من بين جوارح الإنسان مناط عامة صنائعه ومدار أكثر منافعه عبر بها تارة عن النفس وأخرى عن القدرة «والله عليم بالظالمين» أي بهم وإيثار الإظهار على الإضمار لذمهم والتسجيل عليهم بأنهم ظالمون في جميع الأمور التي من جملتها ادعاء ما ليس لهم ونفيه من عيرهم والجملة تذييل لما قبلها مقررة لمضمونه أي عليم بهم وبما صدر عنهم من فنون الظلم والمعاصي المفضية إلى أفانين العذاب وبما سيكون منهم من الاحتراز عما يؤدى إلى ذلك فوقع الأمر كما ذكر فلم يتمن منهم موته أحد إذ لو وقع ذلك لنقل واشتهر وعن النبي صلى الله عليه وسلم لو تمنوا الموت لغص كل إنسان بريقه فمات مكانه وما بقي يهودي على وجه الأرض «ولتجدنهم أحرص الناس» من الوجدان العقلي وهو جار مجرى العلم خلا أنه مختص بما يقع بعد التجربة ونحوهما ومفعولاه الضمير وأحرص والتنكير في قوله تعالى «على حياة» للإيذان بان مرادهم نوع خاص منها وهي الحياة المتطاولة وقرئ بالتعريف «ومن الذين أشركوا» عطف على ما قبله بحسب المعنى كأنه قيل أحرص من الناس ومن الذين أشركوا وإفرادهم بالذكر مع دخولهم في الناس للإيذان بامتيازهم من بينهم بشدة الحرص للمبالغة في توبيخ اليهود فإن حرصهم وهم معترفون بالجزاء لما كان أشد من حرص المشركين المنكرين له دل ذلك على جزمهم بمصيرهم إلى النار ويجوز أن يحمل على حذف المعطوف ثقة بأنباء المعطوف عليه عنه أي وأحرص من الذين أشركوا فقوله تعالى
(١٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271