غيره قاله ابن عباس وعطاء وقال الكلبي يعنون أن قلوبنا لا يصل إليها حديث إلا وعته ولو كان في حديثك خير لوعته أيضا «بل لعنهم الله بكفرهم» رد لما قالوه وتكذيب لهم في ذلك والمعنى على الأول بل أبعدهم الله سبحانه عن رحمته بأن خذلهم وخلاهم وشأنهم بسبب كفرهم العارض وإبطالهم لاستعدادهم بسوء اختيارهم بالمرة وكونهم بحيث لا تنفعهم الألطاف أصلا بعد أن خلقهم على الفطرة والتمكن من قبول الحق وعلى الثاني بل أبعدهم من رحمته فأني لهم ادعاء العلم الذي هو أجل آثارها وعلى الثالث بل أبعدهم من رحمته فلذلك لا يقبلون الحق المؤدي إليها «فقليلا ما يؤمنون» ما مزيدة للمبالغة أي فإيمانا قليلا يؤمنون وهو إيمانهم ببعض الكتاب وقيل فزمانا قليلا يؤمنون وهو ما قالوا آمنوا بالذي انزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره وكلاهما ليس بإيمان حقيقة وقيل أريد بالقلة العدم والفاء لسببية اللعن لعدم الإيمان «ولما جاءهم كتاب» هو القرآن وتنكيره للتفخيم ووصفه بقوله عز وجل «من عند الله» أي كائن من عنده تعالى للتشريف «مصدق لما معهم» من التوراة عبر عنها بذلك لما ان المعية من موجبات الوقوف على ما في تضاعيفها المؤدى إلى العلم بكونه مصدقا لها وقرئ مصدقا على أنه حال من كتاب لتخصيصه بالوصف «وكانوا من قبل» أي من قبل مجيئه «يستفتحون على الذين كفروا» أي وقد كانوا قبل مجيئه يستفتحون به على المشركين ويقولون اللهم انصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان الذي نجد نعته في التوراة ويقولون لهم قد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وإرم وقال ابن عباس وقتادة والسدي نزلت في بنى قريظة والنضير كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه وقيل معنى يستفتحون يفتتحون عليهم ويعرفونهم بأن نبيا يبعث منهم قد قرب أوانه والسين للمبالغة كما في استعجب أي يسألون من أنفسهم الفتح عليهم أو يسأل بعضهم بعضا أن يفتح عليهم وعلى التقديرين فالجملة حالية مفيدة لكمال مكابرتهم وعنادهم وقوله عز وعلا «فلما جاءهم» تكرير للأول لطول العهد بتوسط الجملة الحالية وقوله تعالى «ما عرفوا» عبارة عما سلف من الكتاب لأن معرفة من أنزل هو عليه معرفة له والاستفتاح به استفتاح به وإيراد الموصول دون الاكتفاء بالإضمار لبيان كمال مكابرتهم فإن معرفة ما جاءهم من مبادى الإيمان به ودواعيه لا محالة والفاء للدلالة على تعقيب مجيئه للاستفتاح به من غير أن يتخلل بينهما مدة منسية له وقوله تعالى «كفروا به» جواب لما الأولى كما هو رأي المبرد أو جوابهما معا كما قاله أبو البقاء وقيل جواب الأولى محذوف لدلالة المذكور عليه فيكون قوله تعالى وكانوا الخ جملة معطوفة على الشرطية عطف القصة على القصة والمراد بما عرفوا النبي صلى الله عليه وسلم كما هو المراد بما كانوا يستفتحون به فالمعنى ولما جاءهم كتاب مصدق لكتابهم كذبوه وكانوا من قبل مجيئه يستفتحون بمن أنزل عليه ذلك الكتاب فلما جاءهم النبي الذي عرفوه كفروا به «فلعنة الله على الكافرين» اللام للعهد
(١٢٨)