كجبال تهامة فلا تزن شيئا. وقيل: يحتمل أن يريد المجاز والاستعارة، كأنه قال: فلا قدر لهم عندنا يومئذ (1)، والله أعلم. وفي هذا الحديث من الفقه ذم السمن لمن تكلفه، لما في ذلك من تكلف المطاعم والاشتغال بها عن المكارم، بل يدل على تحريم الاكل الزائد على قدر الكفاية المبتغى به الترفه والسمن. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن أبغض الرجال إلى الله تعالى الحبر السمين). ومن حديث عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خيركم قرني ثم الذين يلونهم - قال عمران فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة - ثم إن من بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمون وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن) وهذا ذم. وسبب ذلك أن السمن المكتسب إنما هو من كثرة الاكل والشره، والدعة والراحة والامن والاسترسال مع النفس على شهواتها، فهو عبد نفسه لا عبد ربه، ومن كان هذا حاله وقع لا محالة في الحرام، وكل لحم تولد عن سحت فالنار أولى به، وقد ذم الله تعالى الكفار بكثرة الاكل فقال: " والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الانعام والنار مثوى لهم " (2) [محمد: 12] فإذا كان المؤمن يتشبه بهم، ويتنعم بتنعمهم في كل أحواله وأزمانه، فأين حقيقة الايمان، والقيام بوظائف الاسلام؟! ومن كثر أكله وشربه كثر نهمه وحرصه، وزاد بالليل كسله ونومه، فكان نهاره هائما، وليله نائما. وقد مضى في " الأعراف " (3) هذا المعنى، وتقدم فيها ذكر الميزان (3)، وأن له كفتين توزن فيهما صحائف الأعمال فلا معنى للإعادة. وقال عليه الصلاة والسلام حين ضحكوا من حمش (4) ساق ابن مسعود وهو يصعد النخلة: (تضحكون من ساق توزن بعمل أهل الأرض) فدل هذا على أن الأشخاص توزن، ذكره الغزنوي.
قوله تعالى: (ذلك جزاؤهم " ذلك " إشارة إلى ترك الوزن، وهو في موضع رفع بالابتداء " جزاؤهم " خبره و (جهنم) بدل من المبتدأ الذي هو " ذلك " و " ما " في قوله:
" بما كفروا " مصدرية، والهزء الاستخفاف والسخرية، وقد تقدم.