الرابعة - وأما من عمل الخطايا ولم تأته المغفرة، فإن العلماء مجمعون على أنه لا يجوز له أن يحتج بمثل حجة آدم، فيقول تلومني على أن قتلت أو زنيت أو سرقت وقد قدر الله على ذلك، والأمة مجمعة على جواز حمد المحسن على إحسانه، ولوم المسئ على إساءته، وتعديد ذنوبه عليه.
الخامسة - قوله تعالى: " فغوى " أي ففسد عليه عيشه، حكاه النقاش وأختاره القشيري. وسمعت شيخنا الأستاذ المقرئ أبا جعفر القرطبي يقول: " فغوى " ففسد عيشه بنزوله إلى الدنيا، والغي الفساد، وهو تأويل حسن وهو أولى من تأويل من يقول:
" فغوى " معناه ضل، من الغي الذي هو ضد الرشد. وقيل: معناه جهل موضع رشده، أي جهل أن تلك الشجرة هي التي نهى عنها، والغي الجهل. وعن بعضهم " فغوى " فبشم من كثرة الاكل، الزمخشري: وهذا وإن صح على لغة من يقلب الياء المكسورة ما قبلها ألفا، فيقول في فنى وبقى: فنى وبقى وهم بنو طي - تفسير خبيث.
السادسة - قال القشيري أبو نصر قال قوم يقال: عصى آدم وغوى ولا يقال له عاص ولا غاو كما أن من خاط مرة يقال له: خاط ولا يقال له خياط ما لم يتكرر منه الخياطة.
وقيل: يجوز للسيد أن يطلق في عبده عند معصيته ما لا يجوز لغيره أن يطلقه، وهذا تكلف، وما أضيف من هذا إلى الأنبياء فإما أن تكون صغائر، أو ترك الأولى، أو قبل النبوة.
قلت: هذا حسن. قال الإمام أبو بكر بن فورك رحمه الله تعالى: كان هذا من آدم قبل النبوة، ودليل ذلك قوله تعالى: " ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى " فذكر أن الاجتباء والهداية كانا بعد العصيان، وإذا كان هذا قبل النبوة فجائز عليهم الذنوب وجها واحدا، لان قبل النبوة لا شرع علينا في تصديقهم، فإذا بعثهم الله تعالى إلى خلقه وكانوا مأمونين في الأداء معصومين لم يضر ما قد سلف منهم من الذنوب. وهذا نفيس والله أعلم.
قوله تعالى: قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى (123) ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى (124)