أراد إنه من يدخل، أي أن الامر هذا، وهو أن المجرم يدخل النار، والمؤمن يدخل الجنة.
والمجرم الكافر. وقيل: الذي يقترف المعاصي ويكتسبها. والأول أشبه لقوله تعالى: (فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا) وهذه صفة الكافر المكذب الجاحد - على ما تقدم بيانه في سورة (النساء) (1) وغيرها - فلا ينتفع بحياته ولا يستريح بموته. قال الشاعر:
ألا من لنفس لا تموت فينقضي * شقاها ولا تحيا حياة لها طعم وقيل: نفس الكافر معلقة في حنجرته أخبر الله تعالى عنه فلا يموت بفراقها، ولا يحيا باستقرارها. ومعنى. (من يأت ربه مجرما) من يأت موعد ربه. ومعنى (ومن يأته مؤمنا) أي يمت عليه ويوافيه مصدقا به. (قد عمل) أي وقد عمل " الصالحات " أي الطاعات وما أمر به ونهى عنه. (فأولئك لهم الدرجات العلا) أي الرفيعة التي قصرت دونها الصفات. ودل قوله: " ومن يأته مؤمنا " على أن المراد بالمجرم المشرك.
قوله تعالى: (جنات عدن) بيان للدرجات وبدل منها، والعدن الإقامة. وقد تقدم (2) بيانه. (تجري من تحتها) أي من تحت غرفها وسررها (الأنهار) من الخمر والعسل واللبن والماء. وقد تقدم. (خالدين فيها) أي ماكثين دائمين. (وذلك جزاء من تزكى) أي من تطهر من الكفر والمعاصي. ومن قال هذا من قول السحرة قال: لعل السحرة سمعوه من موسى أو من بني إسرائيل إذ كان فيهم بمصر أقوام، وكان فيهم أيضا المؤمن من آل فرعون.
قلت: ويحتمل أن يكون ذلك إلهاما من الله لهم أنطقهم بذلك لما آمنوا، والله أعلم.
قوله تعالى: ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى (77) فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم (78) وأضل فرعون قومه وما هدى (79) قوله تعالى: (ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي) تقدم الكلام في هذا مستوفى.
(فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا) أي يابسا لا طين فيه ولا ماء. وقد مضى في (البقرة) (3)