تفسير القرطبي - القرطبي - ج ١١ - الصفحة ٣٢٠
حتى يشتاق، ولهذا قال: " وسخرنا " أي جعلناها بحيث تطيعه إذا أمرها بالتسبيح. وقيل:
إن سيرها معه تسبيحها، والتسبيح مأخوذ من السباحة، دليله قوله تعالى: " يا جبال أوبي معه " (1) [سبأ: 10]. وقال قتادة: " يسبحن " يصلين معه إذا صلى، والتسبيح الصلاة. وكل محتمل.
وذلك فعل الله تعالى بها، ذلك لان الجبال لا تعقل فتسبيحها دلالة على تنزيه الله تعالى عن صفات العاجزين والمحدثين.
قوله تعالى: وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون (80) فيه ثلاث مسائل:
الأولى - قوله تعالى: (وعلمناه صنعة لبوس لكم) يعني اتخاذ الدروع بإلانة الحديد له، واللبوس عند العرب السلاح كله، درعا كان أو جوشنا أو سيفا أو رمحا. قال الهذلي (2) يصف رمحا:
ومعي لبوس للبئيس كأنه * روق بجبهة ذي نعاج مجفل واللبوس كل ما يلبس، وأنشد ابن السكيت: (3) ألبس لكل حالة لبوسها * إما نعيمها وإما بوسها وأراد الله تعالى هنا الدرع، وهو بمعنى الملبوس نحو الركوب والحلوب. قال قتادة: أول من صنع الدروع داود. وإنما كانت صفائح، فهو أول من سردها وحلقها.
الثانية - قوله تعالى: (ليحصنكم) (4) ليحرزكم. (من بأسكم) أي من حربكم.
وقيل: من السيف والسهم والرمح، أي من آلة بأسكم فحذف المضاف. ابن عباس:
" من بأسكم " من سلاحكم. الضحاك: من حرب أعدائكم. والمعنى واحد. وقرأ الحسن

(1) راجع ج 14 ص 264 فما بعد.
(2) هو أبو كبير الهذلي واسمه عامر بن الحليم؟؟ من قصيدة أولها:
أزهير هل عن شيبة من معدل * أم لا سبيل إلى الشباب الأول والبئيس: الشجاع. والروق: القرن. وذو نعاج: يعني ثورا والنعاج: البقر من الوحش.
(3) البيت لبيهس الفزاري.
(4) (ليحصنكم) بالياء قراءة نافع.
(٣٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 315 316 317 318 319 320 321 322 323 324 325 ... » »»
الفهرست