منك؟ قال: وما يمنعك أن تكتب وقد أخبرك اللطيف الخبير أنه يكتب، فقال: " علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى ". وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما قضى الله الخلق كتب في كتاب على نفسه فهو موضوع عنده إن رحمتي تغلب غضبي). وأسند الخطيب أبو بكر عن أبي هريرة قال: كان رجل من الأنصار يجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستمع منه الحديث ويعجبه ولا يحفظه، فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني أسمع منك الحديث يعجبني ولا أحفظه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (استعن بيمينك) وأومأ إلى الخط. وهذا نص. وعلى جواز كتب العلم وتدوينه جمهور الصحابة والتابعين، وقد أمر صلى الله عليه وسلم بكتب الخطبة التي خطب بها في الحج لأبي شاه - رجل من اليمن - لما سأله كتبها. أخرجه مسلم. وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قيدوا العلم بالكتابة). وقال معاوية بن قرة: من لم يكتب العلم لم يعد علمه علما. وقد ذهب قوم إلى المنع من الكتب، فروى أبو نصرة (1) قال قيل لأبي سعيد:
أنكتب حديثكم هذا؟ قال: لم تجعلونه قرآنا؟ ولكن احفظوا كما حفظنا. وممن كان لا يكتب الشعبي ويونس بن عبيد وخالد الحذاء - قال خالد: ما كتبت شيئا قط إلا حديثا واحدا، فلما حفظته محوته - وابن عون والزهري. وقد كان بعضهم يكتب فإذا حفظ محاه، منهم محمد بن سيرين وعاصم بن ضمرة. وقال هشام بن حسان: ما كتبت حديثا قط إلا حديث الأعماق (2) فلما حفظته محوته.
قلت: وقد ذكرنا عن خالد الحذاء مثل هذا. وحديث الأعماق خرجه مسلم في آخر الكتاب: (لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق - أو - بدابق) الحديث ذكره في كتاب الفتن. وكان بعضهم يحفظ ثم يكتب ما يحفظ منهم الأعمش وعبد الله بن إدريس وهشيم وغيرهم. وهذا احتياط على الحفظ. والكتب أولى على الجملة، وبه وردت الآي والأحاديث، وهو مروى عن عمر وعلي وجابر وأنس رضي الله عنهم، ومن يليهم من كبراء التابعين كالحسن