لا يسمعون) قيل: في الكلام حذف، والمعنى وهم فيها لا يسمعون شيئا، لأنهم يحشرون صما، كما قال الله تعالى: " ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما " (1) [الاسراء: 97]. وفي سماع الأشياء روح وأنس، فمنع الله الكفار ذلك في النار. وقيل: لا يسمعون ما يسرهم، بل يسمعون صوت من يتولى تعذيبهم من الزبانية. وقيل: إذا قيل لهم " اخسئوا فيها ولا تكلمون " (2) [المؤمنون: 108] يصيرون حينئذ صما بكما، كما قال ابن مسعود: إذا بقى من يخلد في النار في جهنم جعلوا في توابيت من نار، ثم جعلت التوابيت في توابيت أخرى فيها مسامير من نار، فلا يسمعون شيئا، ولا يرى أحد منهم أن في النار من يعذب غيره.
قوله تعالى: إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون (101) لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون (102) لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون (103) قوله تعالى: (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى) أي الجنة (أولئك عنها) أي عن النار (مبعدون) فمعنى الكلام الاستثناء، ولهذا قال بعض أهل العلم: " إن " هاهنا بمعنى " إلا " وليس في القرآن غيره. وقال محمد بن حاطب: سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقرأ هذه الآية على المنبر " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى " فقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن عثمان منهم).
قوله تعالى: (لا يسمعون حسيسها) أي حس النار وحركة لهبها. والحسيس والحس الحركة. وروى ابن جريج عن عطاء قال قال أبو راشد الحروري لابن عباس:
" لا يسمعون حسيسها " فقال ابن عباس: أمجنون أنت؟ فأين قوله تعالى: " وإن منكم إلا واردها " (3) وقوله تعالى: " فأوردهم النار " (4) [هود: 98] وقوله: " إلى جهنم وردا " (3) [مريم: 86]. ولقد كان من دعاء من مضى: اللهم أخرجني من النار سالما، وأدخلني الجنة فائزا. وقال أبو عثمان النهدي: