قوله تعالى: أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات لأولي النهى (128) ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى (129) فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى (130) قوله تعالى: (أفلم يهد لهم) يريد أهل مكة، أي أفلم يتبين لهم خبر من أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إذا سافروا وخرجوا في التجارة طلب المعيشة، فيرون بلاد الأمم الماضية، والقرون الخالية خاوية، أي أفلا يخافون أن يحل بهم مثل ما حل بالكفار قبلهم. وقرأ ابن عباس والسلمي وغيرهما: " نهد لهم " بالنون وهي أبين. و " يهد " بالياء مشكل لأجل الفاعل، فقال الكوفيون: " كم " الفاعل، النحاس: وهذا خطأ لان " كم " استفهام فلا يعمل فيها ما قبلها وقال الزجاج: المعنى أو لم يهد لهم الامر بإهلاكنا من أهلكنا. وحقيقة " يهد " على الهدى، فالفاعل هو الهدى تقديره: أفلم يهد الهدى لهم.
قال الزجاج: " كم " في موضع نصب ب " - أهلكنا ".
قوله تعالى: (ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما) فيه تقديم وتأخير، أي ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى لكان لزاما، قاله قتادة. واللزام الملازمة، أي لكان العذاب لازما لهم. وأضمر اسم كان. قال الزجاج: (وأجل مسمى) عطف على " كلمة ".
قتادة: والمراد القيامة، وقاله القتبي وقيل: تأخيرهم إلى يوم بدر.
قوله تعالى: (فاصبر على ما يقولون) أمره تعالى بالصبر على أقوالهم: إنه ساحر، إنه كاهن، إنه كذاب، إلى غير ذلك. والمعنى: لا تحفل بهم، فإن لعذابهم وقتا مضروبا لا يتقدم ولا يتأخر. ثم قيل: هذا منسوخ بآية القتال. وقيل: ليس منسوخا، إذ لم يستأصل الكفار بعد آية القتال بل بقى المعظم منهم.