قوله تعالى: أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا (58) فيه أربع مسائل:
الأولى - قوله تعالى: (أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم) يريد إدريس وحده. (وممن حملنا مع نوح) يريد إبراهيم وحده (ومن ذرية إبراهيم) يريد إسماعيل وإسحق ويعقوب. (و) من ذرية (إسرائيل) موسى وهرون وزكريا ويحيى وعيسى.
فكان لإدريس ونوح شرف القرب من آدم، ولإبراهيم شرف القرب من نوح ولإسماعيل وإسحاق ويعقوب شرف القرب من إبراهيم. (وممن هدينا) أي إلى الاسلام: (واجتبينا) بالايمان. (إذا تتلى عليهم آيات الرحمن). وقرأ شبل بن عباد المكي " يتلى " بالتذكير لان التأنيث غير حقيقي مع وجود الفاصل. (خروا سجدا وبكيا) وصفهم بالخشوع لله والبكاء. وقد مضى في " سبحان " (1) [الاسراء: 1]. يقال بكى يبكي بكاء وبكى وبكيا، إلا أن الخليل قال: إذا قصرت البكاء فهو مثل الحزن، أي ليس معه صوت كما قال الشاعر: (2) بكت عيني وحق لها بكاها * وما يغني البكاء ولا العويل " وسجدا " نصب على الحال " وبكيا " عطف عليه.
الثانية - في هذه الآية دلالة على أن لآيات الرحمن تأثيرا في القلوب. قال الحسن:
(إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا) الصلاة. وقال الأصم: المراد بآيات الرحمن الكتب المتضمنة لتوحيده وحججه، وأنهم كانوا يسجدون عند تلاوتها، ويبكون عند ذكرها. والمروى عن ابن عباس أن المراد به القرآن خاصة، وأنهم كانوا يسجدون ويبكون