في موضع نصب ب " - خفت " و " الموالي " هنا الأقارب بنو العم والعصبة الذين يلونه في النسب. والعرب تسمي بني العم الموالي. قال الشاعر: (1) مهلا بني عمنا مهلا موالينا * لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: خاف أن يرثوا ماله وأن ترثه الكلالة فأشفق أن يرثه غير الولد. وقالت طائفة: إنما كان مواليه مهملين للدين فخاف بموته أن يضيع الدين، فطلب وليا يقوم بالدين بعده، حكى هذا القول الزجاج، وعليه فلم يسل من يرث ماله، لان الأنبياء لا تورث. وهذا هو الصحيح من القولين في تأويل الآية، وأنه عليه الصلاة والسلام أراد وراثة العلم والنبوة لا وراثة المال، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة) وفي كتاب أبي داود: (إن العلماء ورثة الأنبياء وأن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ورثوا العلم). وسيأتي في هذا مزيد بيان عند قوله: " يرثني ".
الثانية - هذا الحديث يدخل في التفسير المسند، لقوله تعالى: " وورث سليمان داود " (2) وعبارة عن قول زكريا: " فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب " وتخصيص للعموم في ذلك، وأن سليمان لم يرث من داود مالا خلفه داود بعده، وإنما ورث منه الحكمة والعلم، وكذلك ورث يحيى من آل يعقوب، هكذا قال أهل العلم بتأويل القرآن ما عدا الروافض، وإلا ما روى عن الحسن أنه قال: " يرثني " مالا " ويرث من آل يعقوب " النبوة والحكمة، وكل قول يخالف قول النبي صلى الله عليه وسلم فهو مدفوع مهجور، قاله أبو عمر. قال ابن عطية: والأكثر من المفسرين على أن زكريا إنما أراد وراثة المال، ويحتمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنا معشر الأنبياء لا نورث) ألا يريد به العموم، بل على أنه غالب أمرهم، فتأمله. والأظهر الأليق بزكريا عليه السلام أن يريد وراثة العلم والدين، فتكون الوراثة مستعارة. ألا ترى أنه لما طلب وليا ولم يخصص ولدا بلغه الله تعالى أمله على أكمل الوجوه. وقال أبو صالح وغيره: قوله " من آل يعقوب " يريد العلم والنبوة.