القوم الذين كذبوا بآياتنا) قال أبو عبيدة: " من " بمعنى على. وقيل: المعنى فانتقمنا له " من القوم الذين كذبوا بآياتنا ". " فأغرقناهم أجمعين " أي الصغير منهم والكبير.
قوله تعالى: وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين (78) ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا مع داوود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين (79) فيه ست وعشرون مسألة:
الأولى - قوله تعالى: (وداوود وسليمان إذ يحكمان) أي واذكرهما إذ يحكمان، ولم يرد بقوله " إذ يحكمان " الاجتماع في الحكم وإن جمعهما في القول، فإن حكمين على حكم واحد لا يجوز. وإنما حكم كل واحد منهما على انفراده، وكان سليمان الفاهم لها بتفهيم الله تعالى إياه: " في الحرث " اختلف فيه على قولين: فقيل: كان زرعا، قاله قتادة. وقيل:
كرما نبتت عناقيده، قال ابن مسعود وشريح (1). و " الحرث " يقال فيهما، وهو في الزرع أبعد من الاستعارة.
الثانية - قوله تعالى: (إذ نفشت فيه غنم القوم) أي رعت فيه ليلا، والنفش الرعي بالليل. يقال: نفشت بالليل، وهملت بالنهار، إذا رعت بلا راع. وأنفشها صاحبها.
وإبل نفاش. وفي حديث عبد الله بن عمرو: الحبة في الجنة مثل كرش البعير يبيت نافشا، أي راعيا، حكاه الهروي. وقال ابن سيده: لا يقال الهمل في الغنم وإنما هو في الإبل:
الثالثة - قوله تعالى: (وكنا لحكمهم شاهدين) دليل على أن أقل الجمع اثنان وقيل: المراد الحاكمان والمحكوم عليه، فلذلك قال " لحكمهم ".
الرابعة - قوله تعالى: (ففهمناها سليمان) أي فهمناه القضية والحكومة، فكنى عنها إذ سبق ما يدل عليها. وفضل حكم سليمان حكم أبيه في أنه أحرز أن يبقي [ملك] (2) كل واحد منهما على متاعه وتبقى نفسه طيبة بذلك، وذلك أن داود عليه السلام رأى أن يدفع الغنم إلى صاحب الحرث. وقالت فرقة: بل دفع الغنم إلى صاحب الحرث، والحرث إلى صاحب الغنم.