السابعة - واختلفوا أيضا في العسكر إذا رأوا سوادا فظنوه عدوا فصلوا صلاة الخوف ثم بان لهم أنه غير شئ، فلعلمائنا فيه روايتان: إحداهما يعيدون، وبه قال أبو حنيفة. والثانية لا إعادة عليهم، وهو أظهر قولي الشافعي. ووجه الأولى أنهم تبين لهم الخطأ فعادوا إلى الصواب كحكم الحاكم. ووجه الثانية أنهم عملوا على اجتهادهم فجاز لهم كما لو أخطئوا القبلة، وهذا أولى لأنهم فعلوا ما أمروا به. وقد يقال: يعيدون في الوقت، فأما بعد خروجه فلا.
والله أعلم.
الثامنة - قوله تعالى: (وليأخذوا أسلحتهم) وقال: (وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم) هذا وصاة بالحذر وأخذ السلاح لئلا ينال العدو أمله ويدرك فرصته. والسلاح ما يدفع به المرء عن نفسه في الحرب، قال عنترة:
كسوت الجعد جعد بني أبان * سلاحي بعد عري وافتضاح يقول: أعرته سلاحي ليمتنع بها بعد عريه من السلاح. قال ابن عباس: (وليأخذوا أسلحتهم) يعني الطائفة التي وجاه العدو، لان المصلية لا تحارب. وقال غيره: هي المصلية، أي وليأخذ الذين صلوا أولا أسلحتهم، ذكره الزجاج. قال: ويحتمل أن تكون الطائفة الذين هم في الصلاة أمروا بحمل السلاح، أي فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإنه أرهب للعدو. النحاس: يجوز أن يكون للجميع، لأنه أهيب للعدو. ويحتمل أن يكون للتي وجاه العدو خاصة. قال أبو عمر: أكثر أهل العلم يستحبون للمصلي أخذ سلاحه إذا صلى في الخوف، ويحملون قوله (وليأخذوا أسلحتهم) على الندب، لأنه شئ لولا الخوف لم يجب أخذه، فكان الامر به ندبا. وقال أهل الظاهر: أخذ السلاح في صلاة الخوف واجب لأمر الله به، إلا لمن كان به أذى من مطر، فإن كان ذلك جاز له وضع سلاحه. قال ابن العربي إذا صلوا أخذوا سلاحهم عند الخوف، وبه قال الشافعي وهو نص القرآن. وقال أبو حنيفة:
لا يحملونها، لأنه لو وجب عليهم حملها لبطلت الصلاة بتركها. قلنا: لم يجب حملها لأجل الصلاة وإنما وجب عليهم قوة لهم ونظرا.