إن كان تهيأ الفتح ولم يقدروا على الصلاة صلوا إيماء كل امرئ لنفسه، فإن لم يقدروا على الايماء أخروا الصلاة حتى ينكشف القتال ويأمنوا فيصلوا ركعتين، فإن لم يقدروا صلوا ركعة وسجدتين، فإن لم يقدروا يجزئهم التكبير ويؤخروها حتى يأمنوا، وبه قال مكحول.
قلت: وحكاه الكيا الطبري في (أحكام القرآن) له عن أبي حنيفة وأصحابه، قال الكيا:
وإذا كان الخوف أشد من ذلك وكان التحام القتال فإن المسلمين يصلون على ما أمكنهم مستقبلي القبلة ومستدبريها، وأبو حنيفة وأصحابه الثلاثة متفقون على أنهم لا يصلون والحالة هذه بل يؤخرون الصلاة. وإن قاتلوا في الصلاة قالوا: فسدت الصلاة وحكي عن الشافعي أنه إن تابع الطعن والضرب فسدت صلاته.
قلت: وهذا القول يدل على صحة قول أنس: حضرت مناهضة حصن تستر (1) عند إضاءة الفجر، واشتد اشتعال القتال فلم نقدر على الصلاة إلا بعد ارتفاع النهار، فصليناها ونحن مع أبي موسى ففتح لنا. قال أنس: وما يسرني بتلك الصلاة الدنيا وما فيها، ذكره البخاري وإليه كان يذهب شيخنا الأستاذ أبو جعفر أحمد بن محمد بن محمد القيسي القرطبي المعروف بأبي حجة، وهو اختيار البخاري فيما يظهر، لأنه أردفه بحديث جابر، قال: جاء عمر يوم الخندق فجعل يسب كفار قريش ويقول: يا رسول الله، ما صليت العصر حتى كادت الشمس أن تغرب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وأنا والله ما صليتها) قال: فنزل إلى بطحان (2) فتوضأ وصلى العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى المغرب بعدها.
السادسة - واختلفوا في صلاة الطالب والمطلوب، فقال مالك وجماعة من أصحابه هما سواء، كل واحد منهما يصلي على دابته. وقال الأوزاعي والشافعي وفقهاء أصحاب الحديث وابن عبد الحكم: لا يصلي الطالب إلا بالأرض وهو الصحيح، لان الطلب تطوع، والصلاة المكتوبة فرضها أن تصلي بالأرض حيثما أمكن ذلك، ولا يصليها راكب إلا خائف شديد خوفه وليس كذلك الطالب. والله أعلم.