فقد وجدنا آيات محكمات تمنع أكل مال الغير دون رضاه، سيما في حق اليتيم. وقد وجدنا هذه الآية محتملة للمعاني، فحملها على موجب الآيات المحكمات متعين. فإن قال من ينصر مذهب السلف: إن القضاة يأخذون أرزاقهم لأجل عملهم للمسلمين، فهلا كان الوصي كذلك إذا عمل لليتيم، ولم لا يأخذ الأجرة بقدر عمله؟ قيل له: اعلم أن أحدا من السلف لم يجوز للوصي أن يأخذ من مال الصبي مع غنى الوصي، بخلاف القاضي، فذلك فارق بين المسألتين.
وأيضا فالذي يأخذه الفقهاء والقضاة والخلفاء القائمون بأمور الاسلام لا يتعين له مالك. وقد جعل الله ذلك المال الضائع لأصناف بأوصاف، والقضاة من جملتهم، والوصي إنما يأخذ بعمله مال شخص معين من غير رضاه، وعمله مجهول وأجرته مجهولة وذلك بعيد عن الاستحقاق.
قلت: وكان شيخنا الإمام أبو العباس يقول: إن كان مال اليتيم كثيرا يحتاج إلى كبير قيام عليه بحيث يشغل الولي عن حاجاته ومهماته فرض له فيه أجر عمله، وإن كان تافها لا يشغله عن حاجاته فلا يأكل منه شيئا، غير أنه يستحب له شرب قليل اللبن وأكل القليل من الطعام والسمن، غير مضر به ولا مستكثر له، بل على ما جرت العادة بالمسامحة فيه. قال شيخنا: وما ذكرته من الأجرة، ونيل اليسير من التمر (1) واللبن كل واحد منهما معروف، فصلح حمل الآية على ذلك. والله أعلم.
قلت: والاحتراز عنه أفضل، إن شاء الله.
[وأما ما يأخذه قاضي القسمة ويسميه رسما ونهب أتباعه فلا أدرى له وجها ولا حلا، وهم داخلون في عموم قوله تعالى: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا (2))].
الخامسة عشرة - قوله تعالى: (فإذا دفعتم إليهم فاشهدوا عليهم) أمر الله تعالى بالاشهاد تنبيها على التحصين وزوالا للتهم. وهذا الاشهاد مستحب عند طائفة من العلماء، فإن القول قول الوصي، لأنه أمين. وقالت طائفة: هو فرض، وهو ظاهر الآية، وليس