كيفما قالها، ولذلك قال لأسامة: (أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا) أخرجه مسلم.
أي تنظر (1) أصادق هو في قوله أم كاذب؟ وذلك لا يمكن، فلم يبق إلا أن يبين عنه لسانه. وفي هذا من الفقه باب عظيم، وهو أن الاحكام تناط بالمظان والظواهر لا على القطع واطلاع السرائر.
السادسة - فإن قال: سلام عليكم فلا ينبغي أن يقتل أيضا حتى يعلم ما وراء هذا، لأنه موضع إشكال. وقد قال مالك في الكافر يوجد فيقول: جئت مستأمنا أطلب الأمان:
هذه أمور مشكلة، وأرى أن يرد إلى مأمنه ولا يحكم له بحكم الاسلام، لان الكفر قد ثبت له فلا بد أن يظهر منه ما يدل على قوله، ولا يكفي أن يقول أنا مسلم ولا أنا مؤمن ولا أن يصلي حتى يتكلم بالكلمة العاصمة التي علق النبي صلى الله عليه وسلم الحكم بها عليه في قوله:
(أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله).
السابعة - فإن صلى أو فعل فعلا من خصائص الاسلام فقد اختلف فيه علماؤنا، فقال ابن العربي: نرى أنه لا يكون بذلك مسلما، أما أنه يقال له: ما وراء هذه الصلاة؟
فإن قال: صلاة مسلم، قيل له: قل لا إله إلا الله (2)، فإن قالها تبين صدقه، وإن أبى علمنا أن ذلك تلاعب، وكانت عند من يرى إسلامه ردة، والصحيح أنه كفر أصلي ليس بردة.
وكذلك هذا الذي قال: سلام عليكم، يكلف (3) الكلمة، فإن قالها تحقق رشاده، وإن أبى تبين عناده وقتل. وهذا معنى قوله (فتبينوا) أي الامر المشكل، أو (تثبتوا) ولا تعجلوا المعنيان سواء. فإن قتله أحد فقد أتى منهيا عنه. فإن قيل: فتغليظ النبي صلى الله عليه وسلم على محلم، ونبذه من قبره كيف مخرجه؟ قلنا: لأنه علم من نيته أنه لم يبال بإسلامه فقتله متعمدا لأجل الحنة التي كانت بينهما في الجاهلية.
الثامنة - قوله تعالى: (تبتغون عرض الحياة الدنيا) أي تبتغون أخذ ماله:
ويسمى متاع الدنيا عرضا لأنه عارض زائل غير ثابت. قال أبو عبيدة: يقال جميع متاع [الحياة (4)] الدنيا عرض بفتح الراء، ومنه (5): (الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر).