أفضت عليه الماء وغمسته في الماء. إذا تقرر هذا فاعلم أن العلماء اختلفوا في الجنب يصب على جسده الماء أو ينغمس فيه ولا يتدلك، فالمشهور من مذهب مالك أنه لا بجزئه حتى يتدلك، لان الله سبحانه وتعالى أمر الجنب بالاغتسال، كما أمر المتوضئ بغسل وجهه ويديه، [ولم يكن للمتوضئ بد من إمرار يديه مع الماء على وجهه ويديه، فكذلك جميع جسد الجنب ورأسه في حكم وجه المتوضئ ويديه (1).] وهذا قول المزني واختياره. قال أبو الفرج عمرو بن محمد المالكي: وهذا هو المعقول من لفظ الغسل، لان الاغتسال في اللغة هو الافتعال، ومن لم يمر يديه فلم يفعل غير صب الماء لا يسميه أهل اللسان غاسلا، بل يسمونه صابا للماء ومنغمسا فيه. قال: وعلى نحو هذا جاءت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وانقوا البشرة) قال: وإنقاؤه والله أعلم - لا يكون إلا بتتبعه، على حد ما ذكرنا.
قلت: لا حجة فيما استدل به من الحديث لوجهين: أحدهما - أنه قد خولف في تأويله، قال سفيان بن عيينة: المراد بقوله عليه السلام (وأنقوا البشرة) أراد غسل الفرج وتنظيفه، وأنه كنى بالبشرة عن الفرج. قال ابن وهب: ما رأيت [أحدا (2)] أعلم بتفسير الأحاديث من ابن عيينة.
الثاني: إن الحديث أخرجه أبو داود في سننه وقال فيه: وهذا الحديث ضعيف، كذا في رواية ابن داسة (3). وفي رواية اللؤلئي عنه: الحارث بن وجيه ضعيف، حديثه منكر، فسقط الاستدلال بالحديث، وبقي المعول على اللسان كما بينا. ويعضده ما ثبت في صحيح الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بصبي فبال عليه، فدعا بماء فأتبعه بوله ولم يغسله، روته عائشة، ونحوه عن أم قيس بنت محصن، أخرجهما مسلم. وقال الجمهور من العلماء وجماعة الفقهاء: يجزئ الجنب صب الماء والانغماس فيه إذا أسبغ وعم وإن لم يتدلك، على مقتضى حديث ميمونة وعائشة في غسل النبي صلى الله عليه وسلم. رواهما الأئمة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفيض الماء على جسده، وبه قال محمد بن عبد الحكم،