يكون ذلك تخصيصا لهما، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم خص بأشياء، فيكون هذا مما خص به، ثم خص النبي صلى الله عليه وسلم عليا عليه السلام فرخص له في ما لم يرخص فيه لغيره. وإن كانت أبواب بيوتهم في المسجد، فإنه كان في المسجد أبواب بيوت غير بيتيهما، حتى أمر النبي صلى الله عليه وسلم بسدها إلا باب علي. وروى عمرو بن ميمون عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سدوا الأبواب إلا باب علي) فخصه عليه السلام بأن ترك بابه في المسجد، وكان يجنب في بيته وبيته في المسجد. وأما قوله: (لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر) فإن ذلك كانت - والله أعلم - أبوابا تطلع إلى المسجد خوخات، وأبواب البيوت خارجة من المسجد، فأمر عليه السلام بسد تلك الخوخات وترك خوخة أبي بكر إكراما له. والخوخات كالكوى والمشاكي، وباب علي كان باب البيت الذي كان يدخل منه ويخرج. وقد فسر ابن عمر ذلك بقوله: ولم يكن في المسجد غيرهما.
فإن قيل: فقد ثبت عن عطاء بن يسار أنه قال: كان رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تصيبهم الجنابة فيتوضؤن ويأتون المسجد فيتحدثون فيه. وهذا يدل على أن اللبث في المسجد للجنب جائز إذا توضأ، وهو مذهب أحمد وإسحاق كما ذكرنا. فالجواب أن الوضوء لا يرفع حدث الجنابة، وكل موضع وضع للعبادة وأكرم عن النجاسة الظاهرة ينبغي ألا يدخله من لا يرضى لتلك العبادة، ولا يصح له أن يتلبس بها. والغالب من أحوالهم المنقولة أنهم كانوا يغتسلون في بيوتهم. فإن قيل: يبطل بالمحدث. قلنا: ذلك يكثر وقوعه فيشق الوضوء منه، وفي قوله تعالى: (ولا جنبا إلا عابري سبيل) ما يغني ويكفي. وإذا كان لا يجوز له اللبث في المسجد فأحرى ألا يجوز له مس المصحف ولا القراءة فيه، إذ هو أعظم حرمة. وسيأتي بيانه في (الواقعة (1)) إن شاء الله تعالى.
الثانية عشرة - ويمنع الجنب عند علمائنا من قراءة القرآن غالبا إلا الآيات اليسيرة للتعوذ. وقد روى موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه