النهار). فمعنى قوله: (لا حسد) أي لا غبطة أعظم وأفضل من الغبطة في هذين الامرين.
وقد نبه البخاري على هذا المعنى حيث بوب على هذا الحديث (باب الاغتباط في العلم والحكمة) قال المهلب: بين الله تعالى في هذه الآية ما لا يجوز تمنيه، وذلك ما كان من عرض الدنيا وأشباهها. قال ابن عطية: وأما التمني في الأعمال الصالحة فذلك هو الحسن، وأما إذا تمنى المرء على الله من غير أن يقرن أمنيته بشئ مما قدمنا ذكره فذلك جائز، وذلك موجود في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (وددت أن أحيا ثم أقتل).
قلت: هذا الحديث هو الذي صدر به البخاري كتاب التمني في صحيحه، وهو يدل على تمني الخير وأفعال البر والرغبة فيها، وفيه فضل الشهادة على سائر أعمال البر، لأنه عليه السلام تمناها دون غيرها، وذلك لرفيع منزلتها وكرامة أهلها، فرزقه الله إياها، لقوله: (ما زالت أكلة خيبر تعادني الآن أو ان قطعت أبهري (1)). وفي الصحيح: (إن الشهيد يقال له تمن فيقول أتمنى أن أرجع إلى الدنيا حتى أقتل في سبيلك مرة أخرى). وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمنى إيمان أبي طالب و [إيمان (2)] أبي لهب وصناديد قريش مع علمه بأنه لا يكون، وكان يقول:
(وا شوقاه إلى إخواني الذين يجيئون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني). وهذا كله يدل على أن التمني لا ينهى عنه إذا لم يكن داعية إلى الحسد والتباغض، والتمني المنهي عنه في الآية من هذا القبيل، فيدخل فيه أن يتمنى الرجل حال الآخر من دين أو دنيا على أن يذهب ما عند الآخر، وسواء تمنيت مع ذلك أن يعود إليك أولا. وهذا هو الحسد بعينه، وهو الذي ذمه الله تعالى بقوله: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله (3)) ويدخل فيه أيضا خطبة الرجل على خطبة أخيه وبيعه على بيعه، لأنه داعية الحسد والمقت. وقد كره بعض العلماء الغبطة وأنها داخلة في النهي، والصحيح جوازها على ما بينا، وبالله توفيقنا. وقال الضحاك: لا يحل لاحد أن يتمنى مال أحد، ألم تسمع الذين قالوا: (يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون (4)) إلى أن