لمجتنب الكبائر وممتثل الفرائض تكفير صغائره قطعا لكانت له في حكم المباح الذي يقطع بألا تباعة فيه، وذلك نقض لعرى الشريعة. ولا صغيرة عندنا. قال القشيري عبد الرحيم:
والصحيح أنها كبائر ولكن بعضها أعظم وقعا من بعض، والحكمة في عدم التمييز أن يجتنب العبد جميع المعاصي.
قلت: وأيضا فإن من نظر إلى نفس المخالفة كما قال بعضهم: - لا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر من عصيت - كانت الذنوب بهذه النسبة كلها كبائر، وعلى هذا النحو يخرج كلام القاضي أبي بكر بن الطيب والأستاذ أبى إسحاق الأسفراييني وأبي المعالي وأبي نصر عبد الرحيم القشيري وغيرهم، قالوا: وإنما يقال لبعضها صغيرة بالإضافة إلى ما هو أكبر منها، كما يقال الزنى صغيرة بإضافته إلى الكفر، والقبلة المحرمة صغيرة بالنسبة إلى الزنى، ولا ذنب عندنا يغفر باجتناب ذنب آخر، بل كل ذلك كبيرة ومرتكبه في المشيئة غير الكفر، لقوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) واحتجوا بقراءة من قرأ (إن تجتنبوا كبير ما تنهون عنه) على التوحيد، وكبير الاثم الشرك. قالوا: وعلى الجمع فالمراد أجناس الكفر. والآية التي قيدت الحكم فترد إليها هذه المطلقات كلها قوله تعالى:
(ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). واحتجوا بما رواه مسلم وغيره عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة) فقال له رجل: يا رسول الله، وإن كان شيئا يسيرا؟ قال: (وإن كان قضيبا من أراك). فقد جاء الوعيد الشديد على اليسير كما جاء على الكثير. وقال ابن عباس: الكبيرة كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب (1) أو لعنة أو عذاب. وقال ابن مسعود: الكبائر ما نهى الله عنه في هذه السورة إلى ثلاث وثلاثين آية، وتصديقه قوله تعالى: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه). وقال طاوس: قيل لابن عباس الكبائر سبع؟ قال: هي إلى السبعين أقرب. وقال سعيد بن جبير: قال رجل لابن عباس الكبائر سبع؟ قال: هي إلى السبعمائة أقرب منها إلى السبع، غير أنه لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار وروي عن ابن مسعود أنه قال: