النخعي والحسن أنهما قالا: من أدركه العصر وهو بمنى من اليوم الثاني من أيام التشريق لم ينفر حتى الغد. قال ابن المنذر: وقد يحتمل أن يكونا قالا ذلك استحبابا، والقول الأول به نقول، لظاهر الكتاب والسنة.
الموفية عشرين - واختلفوا في أهل مكة هل ينفرون النفر الأول، فروينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: من شاء من الناس كلهم أن ينفروا في النفر الأول، إلا آل خزيمة فلا ينفرون إلا في النفر الآخر. وكان أحمد بن حنبل يقول: لا يعجبني لمن نفر النفر الأول أن يقيم بمكة، وقال: أهل مكة أخف، وجعل أحمد وإسحاق معنى قول عمر بن الخطاب:
(إلا آل خزيمة) أي أنهم أهل حرم. وكان مالك يقول في أهل مكة: من كان له عذر فله أن يتعجل في يومين، فإن أراد التخفيف عن نفسه مما هو فيه من أمر الحج فلا، فرأى التعجيل لمن بعد قطره. وقالت طائفة: الآية على العموم، والرخصة لجميع الناس، أهل مكة وغيرهم، أراد الخارج عن منى المقام بمكة أو الشخوص إلى بلده. وقال عطاء: هي للناس عامة. قال ابن المنذر: وهو يشبه مذهب، الشافعي، وبه نقول. وقال ابن عباس والحسن وعكرمة ومجاهد وقتادة والنخعي: من نفر في اليوم الثاني من الأيام المعدودات فلا حرج، ومن تأخر إلى الثالث فلا حرج، فمعنى الآية كل ذلك مباح، وعبر عنه بهذا التقسيم اهتماما وتأكيدا، إذ كان من العرب من يذم المتعجل وبالعكس، فنزلت الآية رافعة للجناح في كل ذلك. وقال علي بن أبي طالب وابن عباس وابن مسعود وإبراهيم النخعي أيضا: معنى من تعجل فقد غفر له، ومن تأخر فقد غفر له، واحتجوا بقوله عليه السلام: " من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من خطاياه كيوم ولدته أمه ". فقوله: " فلا إثم عليه " نفى عام وتبرئة مطلقة. وقال مجاهد أيضا: معنى الآية، من تعجل أو تأخر فلا إثم عليه إلى العام المقبل.
وأسند في هذا القول أثر. وقال أبو العالية في الآية: لا إثم عليه لمن اتقى بقية عمره، والحاج مغفور له البتة، أي ذهب إثمه كله إن اتقى الله فيما بقى من عمره. وقال أبو صالح وغيره:
معنى الآية لا إثم عليه لمن اتقى قتل الصيد، وما يجب عليه تجنبه في الحج. وقال أيضا: لمن اتقى في حجه فأتى به تاما حتى كان مبرورا.