من نسائنا، فإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه، وكان نساء الأنصار إنما يؤتين على جنوبهن، فأنزل الله سبحانه: " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ".
الثانية - هذه الأحاديث نص في إباحة الحال والهيئات كلها إذا كان الوطئ في موضع الحرث، أي كيف شئتم من خلف ومن قدام وباركة ومستلقية ومضطجعة، فأما الاتيان في غير المأتى فما كان مباحا، ولا يباح! وذكر الحرث يدل على أن الاتيان في غير المأتى محرم. و " حرث " تشبيه، لأنهن مزدرع الذرية، فلفظ " الحرث " يعطى أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج خاصة إذ هو المزدرع. وأنشد ثعلب:
إنما الأرحام أرضون * لنا محترثات فعلينا الزرع فيها * وعلى الله النبات ففرج المرأة كالأرض، والنطفة كالبذر، والولد كالنبات، فالحرث بمعنى المحترث. ووحد الحرث لأنه مصدر، كما يقال: رجل صوم، وقوم صوم.
الثالثة - قوله تعالى: (أنى شئتم) معناه عند الجمهور من الصحابة والتابعين وأئمة الفتوى: من أي وجه شئتم مقبلة ومدبرة، كما ذكرنا آنفا. و " أنى " تجئ سؤالا وإخبارا عن أمر له جهات، فهو أعم في اللغة من " كيف " ومن " أين " ومن " متى "، هذا هو الاستعمال العربي في " أنى ". وقد فسر الناس " أنى " في هذه الآية بهذه الألفاظ.
وفسرها سيبويه ب " كيف " ومن " أين " باجتماعهما. وذهبت فرقة ممن فسرها ب " أين " إلى أن الوطئ في الدبر مباح، وممن نسب إليه هذا القول: سعيد بن المسيب ونافع وابن عمر ومحمد بن كعب القرظي وعبد الملك بن الماجشون، وحكى ذلك عن مالك في كتاب له يسمى " كتاب السر ". وحذاق أصحاب مالك؟ ومشايخهم ينكرون ذلك الكتاب، ومالك أجل من أن يكون له " كتاب سر ". ووقع هذا القول في العتبية. وذكر ابن العربي أن ابن شعبان أسند جواز هذا القول إلى زمرة كبيرة من الصحابة والتابعين، وإلى مالك من روايات كثيرة في كتاب " جماع النسوان وأحكام القرآن ". وقال الكيا الطبري: وروى عن محمد بن كعب القرظي أنه كان لا يرى بذلك بأسا، ويتأول فيه قول الله عز وجل: " أتأتون الذكران من