لم يجز حتى تغتسل أو يدخل عليها وقت الصلاة. وهذا تحكم لا وجه له، وقد حكموا للحائض بعد انقطاع دمها بحكم الحبس في العدة وقالوا لزوجها: عليها الرجعة ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة، فعلى قياس قولهم هذا لا يجب أن توطأ حتى تغتسل، مع موافقة أهل المدينة. ودليلنا أن الله سبحانه علق الحكم فيها على شرطين: أحدهما - انقطاع الدم، وهو قوله تعالى:
" حتى يطهرن ". والثاني - الاغتسال بالماء، وهو قوله تعالى: " فإذا تطهرن (1) " أي يفعلن الغسل بالماء، وهذا مثل قوله تعالى: " وابتلوا اليتامى حتى ذا بلغوا النكاح (2) " الآية، فعلق الحكم وهو جواز دفع المال على شرطين: أحدهما - بلوغ المكلف النكاح. والثاني - إيناس الرشد، وكذلك قوله تعالى في المطلقة: " فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره (3) " ثم جاءت السنة باشتراط العسيلة، فوقف التحليل على الامرين جميعا، وهو انعقاد النكاح ووجود الوطئ. احتج أبو حنيفة فقال: إن معنى الآية، الغاية في الشرط هو المذكور في الغاية قبلها، فيكون قوله: " حتى يطهرن " مخففا هو بمعنى قوله: " يطهرن " مشددا بعينه، ولكنه جمع بين اللغتين في الآية، كما قال تعالى: " فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين (4) ". قال الكميت:
وما كانت الأنصار فيها أذلة * ولا غيبا فيها إذا الناس غيب وأيضا فإن القراءتين كالآيتين فيجب أن يعمل بهما. ونحن نحمل كل واحدة منهما على معنى، فنحمل المخففة على ما إذا انقطع دمها للأقل، فإنا لا نجوز وطأها حتى تغتسل، لأنه لا يؤمن عوده: ونحمل القراءة الأخرى على ما إذا انقطع دمها للأكثر فيجوز وطؤها وإن لم تغتسل.
قال ابن العربي: وهذا أقوى مالهم، فالجواب عن الأول: أن ذلك ليس من كلام الفصحاء، ولا ألسن البلغاء، فإن ذلك يقتضى التكرار في التعداد، وإذا أمكن حمل اللفظ على فائدة مجردة لم يحمل على التكرار في كلام الناس، فكيف في كلام العليم الحكيم! وعن الثاني: أن كل واحدة منهما محمولة على معنى دون معنى الأخرى، فيلزمهم إذا انقطع الدم ألا يحكم لها بحكم الحيض قبل أن تغتسل في الرجعة، وهم لا يقولون ذلك كما بيناه، فهي إذا