الرابعة - ولما ينفقه الوصي والكفيل من مال اليتيم حالتان: حالة يمكنه الاشهاد عليه، فلا يقبل قوله إلا ببينة. وحالة لا يمكنه الاشهاد عليه فقوله مقبول بغير بينة، فمهما اشترى من العقار وما جرت العادة بالتوثق فيه لم يقبل قوله بغير بينة. قال ابن خويز منداد:
ولذلك فرق أصحابنا بين أن يكون اليتيم في دار الوصي ينفق عليه فلا يكلف الاشهاد على نفقته وكسوته، لأنه يتعذر عليه الاشهاد على ما يأكله ويلبسه في كل وقت، ولكن إذا قال:
أنفقت نفقة لسنة (1) قبل منه، وبين أن يكون عند أمه أو حاضنته فيدعى الوصي أنه كان ينفق عليه، أو كان يعطى الام أو الحاضنة النفقة والكسوة فلا يقبل قوله على الام أو الحاضنة إلا ببينة أنها كانت تقبض ذلك له مشاهرة أو مساناة.
الخامسة - واختلف العلماء في الرجل ينكح نفسه من يتيمته، وهل له أن يشترى لنفسه من مال يتيمه أو يتيمته؟ فقال مالك: ولاية النكاح بالكفالة والحضانة أقوى منها بالقرابة، حتى قال في الاعراب الذين يسلمون أولادهم في أيام المجاعة: إنهم ينكحونهم إنكاحهم، فأما إنكاح الكافل والحاضن لنفسه فيأتي في " النساء " بيانه، إن شاء الله تعالى.
وأما الشراء منه فقال مالك: يشترى في مشهور الأقوال، وكذلك قال أبو حنيفة: له أن يشترى مال الطفل اليتيم لنفسه بأكثر من ثمن المثل، لأنه إصلاح دل عليه ظاهر القرآن. وقال الشافعي: لا يجوز ذلك في النكاح ولا في البيع، لأنه لم يذكر في الآية التصرف، بل قال:
" إصلاح لهم خير " من غير أن يذكر فيه الذي يجوز له النظر. وأبو حنيفة يقول: إذا كان الاصلاح خيرا فيجوز تزويجه ويجوز أن يزوج منه. والشافعي لا يرى في التزويج إصلاحا إلا من جهة دفع الحاجة، ولا حاجة قبل البلوغ. وأحمد بن حنبل يجوز للوصي التزويج لأنه إصلاح. والشافعي يجوز للجد التزويج مع الوصي، وللأب في حق ولده الذي ماتت أمه لا بحكم هذه الآية. وأبو حنيفة يجوز للقاضي تزويج اليتيم بظاهر القرآن. وهذه المذاهب نشأت من هذه الآية، فإن ثبت كون التزويج إصلاحا فظاهر الآية يقتضى جوازه. ويجوز أن يكون معنى قوله تعالى: " ويسئلونك عن اليتامى " أي يسألك القوام على اليتامى الكافلون لهم، وذلك مجمل لا يعلم منه عين الكافل والقيم وما يشترط فيه من الأوصاف.