اصطناع المعروف واجب. فقيل له: إنه ينهى عن الزنى. فقال: هو فحش وقبيح في العقل، وقد صرت شيخا فلا أحتاج إليه. فقيل له: إنه ينهى عن شرب الخمر. فقال: أما هذا فإني لا أصبر عليه! فرجع، وقال: أشرب الخمر سنة ثم أرجع إليه، فلم يصل إلى منزله حتى سقط عن البعير فانكسرت عنقه فمات. وكان قيس بن عاصم المنقري شرابا لها في الجاهلية ثم حرمها على نفسه، وكان سبب ذلك أنه غمز عكنة (1) ابنته وهو سكران، وسب أبويه، ورأى القمر فتكلم بشئ، وأعطى الخمار كثيرا من ماله، فلما أفاق أخبر بذلك فحرمها على نفسه، وفيها يقول:
رأيت الخمر صالحة وفيها * خصال تفسد الرجل الحليما فلا والله أشربها صحيحا * ولا أشفى بها أبدا سقيما ولا أعطى بها ثمنا حياتي * ولا أدعو لها أبدا نديما فإن الخمر تفضح شاربيها * وتجنيهم بها الامر العظيما قال أبو عمر: وروى ابن الأعرابي عن المفضل الضبي أن هذه الأبيات لأبي محجن الثقفي قالها في تركه الخمر، وهو القائل رضي الله عنه:
إذا مت فادفني إلى جنب كرمة * تروى عظامي بعد موتى عروقها ولا تدفنني بالفلاة فإنني * أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها (2) وجلده عمر الحد عليها مرارا، ونفاه إلى جزيرة في البحر، فلحق بسعد فكتب إليه عمر أن يحبسه فحبسه، وكان أحد الشجعان البهم (3)، فلما كان من أمره في حرب القادسية ما هو معروف حل قيوده وقال: لا نجلدك على الخمر أبدا. قال أبو محجن: وأنا والله لا أشربها أبدا، فلم يشربها بعد ذلك. وفى رواية: قد كنت أشربها إذ يقام على الحد [وأطهر منها (4)]، وأما إذ بهرجتني (5) فوالله لا أشربها أبدا. وذكر الهيثم بن عدي أنه أخبره من رأى قبر أبى محجن بآذربيجان،