أي أنى يحيى الله موتاها. وقد حكى الطبري عن بعضهم أنه قال: كان هذا القول شكا في قدرة الله تعالى على الاحياء، فلذلك ضرب له المثل في نفسه. قال ابن عطية: وليس يدخل شك في قدرة الله تعالى على إحياء قرية بجلب العمارة إليها وإنما يتصور الشك [من جاهل (1)] في الوجه الآخر، والصواب ألا يتأول في الآية شك.
قوله تعالى: (فأماته الله مائة عام) " مائة " نصب على الظرف. والعام: السنة، يقال: سنون عوم وهو تأكيد للأول، كما يقال: بينهم شغل شاغل. وقال العجاج:
* من مر أعوام السنين العوم * وهو في التقدير جمع عائم، إلا أنه لا يفرد بالذكر، لأنه ليس باسم وإنما هو توكيد، قاله الجوهري. وقال النقاش: العام مصدر كالعوم، سمى به هذا القدر من الزمان لأنها عومة من الشمس في الفلك. والعوم كالسبح، وقال الله تعالى: " كل في فلك يسبحون (2) ". قال ابن عطية: هذا بمعنى قول النقاش، والعام على هذا كالقول والقال، وظاهر هذه الإماتة أنها بإخراج الروح من الجسد. وروى في قصص هذه الآية أن الله تعالى بعث لها ملكا من الملوك يعمرها ويجد (3) في ذلك حتى كان كمال عمارتها عند بعث القائل. وقد قيل: إنه لما مضى لموته سبعون سنة أرسل الله ملكا من ملوك فارس عظيما يقال له " كوشك " فعمرها في ثلاثين سنة.
قوله تعالى: (ثم بعثه) معناه أحياه، وقد تقدم الكلام فيه.
قوله تعالى: (قال كم لبثت) اختلف في القائل له " كم لبثت "، فقيل:. الله عز وجل، ولم يقل له إن كنت صادقا كما قال للملائكة على ما تقدم. وقيل: سمع هاتفا من السماء (4) يقول له ذلك. وقيل: خاطبه جبريل. وقيل: نبي. وقيل: رجل مؤمن ممن شاهده من قومه عند موته وعمر إلى حين إحيائه فقال له: كم لبثت.
قلت: والأظهر أن القائل هو الله تعالى، لقوله " وأنظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما " والله أعلم. وقرأ أهل الكوفة " كم لبت " بإدغام الثاء في التاء لقربها منها