مائة عام. قال: ابن عطية: وهذا القول من ابن زيد مناقض لألفاظ الآية، إذ الآية إنما تضمنت قرية خاوية لا أنيس فيها، والإشارة ب " هذه " إنما هي إلى القرية. وإحياؤها إنما هو بالعمارة ووجود البناء والسكان. وقال وهب ابن منبه وقتادة والضحاك والربيع وعكرمة: القرية بيت المقدس لما خربها بختنصر البابلي. وفى الحديث الطويل حين أحدثت بنو إسرائيل الاحداث وقف إرمياء أو عزير على القرية وهي كالتل العظيم وسط بيت المقدس، لان بختنصر أمر جنده بنقل التراب إليه حتى جعله كالجبل، ورأى إرمياء البيوت قد سقطت حيطانها على سقفها فقال: أنى يحيى هذه الله بعد موتها.
والعريش: سقف البيت. وكل ما يتهيأ ليظل أو يكن فهو عريش، ومنه عريش الدالية، ومنه قوله تعالى: " ومما يعرشون (1) ". قال السدى: يقول هي ساقطة على سقفها، أي سقطت السقف ثم سقطت الحيطان عليها، واختاره الطبري. وقال غير السدى: معناه خاوية من الناس والبيوت قائمة، وخاوية معناها خالية، وأصل الخواء الخلو، يقال: خوت الدار وخويت تخوى خواء (ممدود) وخويا: أقوت، وكذلك إذا سقطت، ومنه قوله تعالى:
" فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا (2) " أي خالية، ويقال ساقطة، كما يقال: " فهي خاوية على عروشها (3) " أي ساقطة على سقفها. والخواء الجوع لخلو البطن من الغذاء. وخوت المرأة وخويت أيضا خوى أي خلا جوفها عند الولادة. وخويت لها تخوية إذا عملت لها خوية تأكلها وهي طعام. والخوى البطن السهل من الأرض على فعيل. وخوى البعير إذا جافى بطنه عن الأرض في بروكه، وكذلك الرجل في سجوده.
قوله تعالى: (أنى يحيى هذه الله بعد موتها) معناه من أي طريق وبأي سبب، وظاهر اللفظ السؤال عن إحياء القرية بعمارة وسكان، كما يقال الآن في المدن الخربة التي يبعد أن تعمر وتسكن: أنى تعمر هذه بعد خرابها. فكأن هذا تلهف من الواقف المعتبر على مدينته التي عهد فيها أهله وأحبته. وضرب له المثل في نفسه بما هو أعظم مما سأل عنه، والمثال الذي ضرب له في نفسه يحتمل أن يكون على أن سؤاله إنما كان على إحياء الموتى من بني آدم،