السادسة - قوله تعالى: " فلا رفث " قال ابن عباس وابن جبير والسدي وقتادة والحسن وعكرمة والزهري ومجاهد ومالك: الرفث الجماع، أي فلا جماع لأنه يفسده. وأجمع العلماء على أن الجماع قبل الوقوف بعرفة مفسد للحج، وعليه حج قابل والهدى. وقال عبد الله ابن عمر وطاوس وعطاء وغيرهم: الرفث الافحاش للمرأة بالكلام، لقوله: إذا أحللنا فعلنا بك كذا، من غير كناية، وقاله ابن عباس أيضا، وأنشد وهو محرم:
وهن يمشين بنا هميسا * إن تصدق الطير ننك لميسا (1) فقال له صاحبه حصين بن قيس: أترفث وأنت محرم! فقال: إن الرفث ما قيل عند النساء. وقال قوم: الرفث الافحاش بذكر النساء، كان ذلك بحضرتهن أم لا. وقيل: الرفث كلمة جامعة لما يريده الرجل من أهله. وقال أبو عبيدة: الرفث اللغا من الكلام، وأنشد:
ورب أسراب حجيج كظم * عن اللغا ورفث التكلم يقال: رفث يرفث، بضم الفاء وكسرها. وقرأ ابن مسعود " فلا رفوث " على الجمع.
قال ابن العربي: المراد بقوله " فلا رفث " نفيه مشروعا لا موجودا، فإنا نجد الرفث فيه ونشاهده، وخبر الله سبحانه لا يجوز أن يقع بخلاف مخبره، وإنما يرجع النفي إلى وجوده مشروعا لا إلى وجوده محسوسا، كقوله تعالى: " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء " (2) [البقرة: 228] معناه: شرعا لا حسا، فإنا نجد المطلقات لا يتربصن، فعاد النفي إلى الحكم الشرعي لا إلى الوجود الحسي. وهذا كقوله تعالى: " لا يمسه إلا المطهرون " (3) [الواقعة: 79] إذا قلنا: إنه وارد في الآدميين - وهو الصحيح - أن معناه لا يمسه أحد منهم شرعا، فإن وجد المس فعلى خلاف حكم الشرع، وهذه الدقيقة هي التي فاتت العلماء فقالوا: إن الخبر يكون بمعنى النهي، وما وجد ذلك قط، ولا يصح أن يوجد، فإنهما مختلفان حقيقة ومتضادان وصفا.
السابعة - قوله تعالى: " ولا فسوق " يعني جميع المعاصي كلها، قاله ابن عباس وعطاء والحسن. وكذلك قال ابن عمر وجماعة: الفسوق إتيان معاصي الله عز وجل