ودم وفم، وإنما نقص لعلة. فهي من الآدميين من المنقوصات لأنها على حرفين، ولأنها كلمة ملفوظة بالأدوات. ومن ربنا تبارك وتعالى تامة، لأنها بغير الأدوات، تعالى عن شبه المخلوقين.
السادسة - قوله تعالى: " فيكون " قرئ برفع النون على الاستئناف. قال سيبويه:
فهو يكون، أو فإنه يكون. وقال غيره: هو معطوف على " يقول "، فعلى الأول كائنا بعد الامر، وإن كان معدوما فإنه بمنزلة الموجود إذا هو عنده معلوم، على ما يأتي بيانه. وعلى الثاني كائنا مع الامر، واختاره الطبري وقال: أمره للشئ ب " كن " لا يتقدم الوجود ولا يتأخر عنه، فلا يكون الشئ مأمورا بالوجود إلا وهو موجود بالامر، ولا موجودا إلا وهو مأمور بالوجود، على ما يأتي بيانه. قال: ونظيره قيام الناس من قبورهم لا يتقدم دعاء الله ولا يتأخر عنه، كما قال " ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون (1) ".
وضعف ابن عطية هذا القول وقال: هو خطأ من جهة المعنى، لأنه يقتضي أن القول مع (2) التكوين والوجود.
وتلخيص المعتقد في هذه الآية: أن الله عز وجل لم يزل آمرا للمعدومات بشرط وجودها، قادرا مع تأخر المقدورات، عالما مع تأخر المعلومات. فكل ما في الآية يقتضي الاستقبال فهو بحسب المأمورات، إذ المحدثات تجئ بعد أن لم تكن. وكل ما يسند إلى الله تعالى من قدرة وعلم فهو قديم لم يزل. والمعنى الذي تقتضيه عبارة " كن ": هو قديم قائم بالذات.
وقال أبو الحسن الماوردي فإن قيل: ففي أي حال يقول له كن فيكون؟ أفي حال عدمه، أم في حال وجوده؟ فإن كان في حال عدمه استحال أن يأمر إلا مأمورا، كما يستحيل أن يكون الامر إلا من آمر، وإن كان في حال وجوده فتلك حال لا يجوز أن يأمر فيها بالوجود والحدوث، لأنه موجود حادث؟ قيل عن هذا السؤال أجوبة ثلاثة:
أحدها - أنه خبر من الله تعالى عن نفوذ أوامره في خلقه الموجود، كما أمر في بني إسرائيل أن يكونوا قردة خاسئين، ولا يكون هذا واردا في إيجاد المعدومات.