القول الخامس - أن الآية منسوخة بقوله: " وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره (1) " ذكره ابن عباس، فكأنه كان يجوز في الابتداء أن يصلي المرء كيف شاء ثم نسخ ذلك. وقال قتادة:
الناسخ قوله تعالى: " فول وجهك شطر المسجد الحرام " أي تلقاءه، حكاه أبو عيسى الترمذي.
وقول سادس - روي عن مجاهد والضحاك أنها محكمة، المعنى: أينما كنتم من شرق وغرب فثم وجه الله الذي أمرنا باستقباله وهو الكعبة. وعن مجاهد أيضا وابن جبير لما نزلت:
" ادعوني أستجب لكم " قالوا: إلى أين؟ فنزلت: " فأينما تولوا قثم وجه الله ". وعن ابن عمر والنخعي: أينما تولوا في أسفاركم ومنصرفاتكم فثم وجه الله. وقيل: هي متصلة بقوله تعالى: " ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه " الآية، فالمعنى أن بلاد لله أيها المؤمنون تسعكم، فلا يمنعكم تخريب من خرب مساجد الله أن تولوا وجوهكم نحو قبلة الله أينما كنتم من أرضه. وقيل: نزلت حين صد النبي صلى الله عليه وسلم عن البيت عام الحديبية فاغتم المسلمون لذلك. فهذه عشرة أقوال.
ومن جعلها منسوخة فلا اعتراض عليه من جهة كونها خبرا، لأنها محتملة لمعنى الامر.
يحتمل أن يكون معنى " فأينما تولوا فثم وجه الله ": ولوا وجوهكم نحو وجه الله، وهذه الآية هي التي تلا سعيد بن جبير رحمه الله لما أمر الحجاج بذبحه إلى الأرض.
الرابعة - اختلف الناس في تأويل الوجه المضاف إلى الله تعالى في القرآن والسنة، فقال الحذاق: ذلك راجع إلى الوجود، والعبارة عنه بالوجه من مجاز الكلام، إذ كان الوجه أظهر الأعضاء في الشاهد وأجلها قدرا. وقال ابن فورك: قد تذكر صفة الشئ والمراد بها الموصوف توسعا، كما يقول القائل: رأيت علم فلان اليوم، ونظرت إلى علمه، وإنما يريد بذلك رأيت العالم ونظرت إلى العالم، كذلك إذا ذكر الوجه هنا، والمراد من له الوجه، أي الوجود.
وعلى هذا يتأول قوله تعالى: " إنما نطعمكم لوجه الله (2) " لان المراد به: لله الذي له الوجه، وكذلك قوله: " إلا ابتغاء وجه ربه الاعلى (3) " أي الذي له الوجه. قال ابن عباس: