الرابعة - قال علماؤنا: ولهذا قلنا لا يجوز منع المرأة من الحج إذا كانت ضرورة (1)، سواء كان لها محرم أو لم يكن، ولا تمنع أيضا من الصلاة في المساجد ما لم يخف عليها الفتنة، وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) ولذلك قلنا: لا يجوز نقض المسجد ولا بيعه ولا تعطيله وإن خربت المحلة، ولا يمنع بناء المساجد إلا أن يقصدوا الشقاق والخلاف، بأن يبنوا مسجدا إلى جنب مسجد أو قربه، يريدون بذلك تفريق أهل المسجد الأول وخرابه واختلاف الكلمة، فإن المسجد الثاني ينقض ويمنع من بنيانه، ولذلك قلنا: لا يجوز أن يكون في المصر جامعان، ولا لمسجد واحد إمامان، ولا يصلي في مسجد جماعتان. وسيأتي لهذا كله مزيد بيان في سورة " براءة (2) " إن شاء الله تعالى، وفي " النور (3) " حكم المساجد وبنائها بحول الله تعالى. ودلت الآية أيضا على تعظيم أمر الصلاة، وأنها لما كانت أفضل الأعمال وأعظمها أجرا كان منعها أعظم إثما.
الخامسة - كل موضع يمكن أن يعبد الله فيه ويسجد له يسمى مسجدا، قال صلى الله عليه وسلم: (جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا)، أخرجه الأئمة. وأجمعت الأمة على أن البقعة إذا عينت للصلاة بالقول خرجت عن جملة الأملاك المختصة بربها وصارت عامة لجميع المسلمين، فلو بنى رجل في داره مسجدا وحجزه على الناس واختص به لنفسه لبقي على ملكه ولم يخرج إلى حد المسجدية، ولو أباحه للناس كلهم كان حكمه حكم سائر المساجد العامة، وخرج عن اختصاص الأملاك.
السادسة - قوله تعالى: " أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين " " أولئك " مبتدأ وما بعده خبره. " خائفين " حال، يعني إذا استولى عليها المسلمون وحصلت تحت سلطانهم فلا يتمكن الكافر حينئذ من دخولها. فإن دخلوها، فعلى خوف من إخراج المسلمين لهم، وتأديبهم على دخولها. وفي هذا دليل على أن الكافر ليس له دخول المسجد بحال، على ما يأتي في " براءة " إن شاء الله تعالى. ومن جعل الآية في النصارى روى أنه مر زمان