قادهم إلى ذلك مذهبهم في أن الأوامر مرادة، وأن الحسن صفة نفسية للحسن، ومراد الله حسن، وهذا قد أبطله علماؤنا في كتبهم.
الثامنة - اختلف علماؤنا في الاخبار هل يدخلها النسخ، فالجمهور على أن النسخ إنما هو مختص بالأوامر والنواهي، والخبر لا يدخله النسخ لاستحالة الكذب على الله تعالى.
وقيل: إن الخبر إذا تضمن حكما شرعيا جاز نسخه، كقوله تعالى: " ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ". وهناك (1) يأتي القول فيه إن شاء الله تعالى.
التاسعة - التخصيص من العموم يوهم أنه نسخ وليس به، لان المخصص لم يتناوله العموم قط، ولو ثبت تناول العموم لشئ ما ثم أخرج ذلك الشئ عن العموم لكان نسخا لا تخصيصا، والمتقدمون يطلقون على التخصيص نسخا توسعا ومجازا.
العاشرة - اعلم أنه قد يرد في الشرع أخبار ظاهرها الاطلاق والاستغراق، ويرد تقييدها في موضع آخر فيرتفع ذلك الاطلاق، كقوله تعالى: " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان (2) ". فهذا الحكم ظاهره خبر عن إجابة كل داع على كل حال، لكن قد جاء ما قيده في موضع آخر، كقوله " فيكشف ما تدعون إليه إن شاء (3) ". فقد يظن من لا بصيرة عنده أن هذا من باب النسخ في الاخبار وليس كذلك، بل هو من باب الاطلاق والتقييد. وسيأتي لهذه المسألة زيادة بيان في موضعها إن شاء الله تعالى.
الحادية عشرة - قال علماؤنا رحمهم الله تعالى: جائز نسخ الأثقل إلى الأخف، كنسخ الثبوت لعشرة بالثبوت لاثنين (4). ويجوز نسخ الأخف إلى الأثقل، كنسخ يوم عاشوراء والأيام المعدودة برمضان، على ما يأتي بيانه في آية الصيام (5). وينسخ المثل بمثله ثقلا وخفة، كالقبلة. وينسخ الشئ لا إلى بدل كصدقة النجوى. وينسخ القرآن بالقرآن. والسنة بالعبارة، وهذه العبارة يراد بها الخبر المتواتر القطعي. وينسخ خبر الواحد بخبر الواحد.
وحذاق الأئمة على أن القرآن ينسخ بالسنة، وذلك موجود في قوله عليه السلام:
(لا وصية لوارث). وهو ظاهر مسائل مالك. وأبى ذلك الشافعي وأبو الفرج المالكي،