أما الرحل الخفيف فلا بأس أن يبدأ به قبل الصلاة، وأما المحامل والزوامل فلا أرى ذلك (1)، وليبدأ بالصلاتين ثم يحط عن راحلته. وقال أشهب في كتبه: له حط رحله قبل الصلاة، وحطه له بعد أن يصلي المغرب أحب إلي ما لم يضطر إلى ذلك، لما بدابته من الثقل، أو لغير ذلك من العذر. وأما التنفل بين الصلاتين فقال ابن المنذر: ولا أعلمهم يختلفون أن من السنة ألا يتطوع بينهما الجامع بين الصلاتين، وفى حديث أسامة: ولم يصل بينهما شيئا.
السابعة عشرة - وأما المبيت بالمزدلفة فليس ركنا في الحج عند الجمهور. واختلفوا فيما يجب على من لم يبت بالمزدلفة ليلة النحر ولم يقف بجمع، فقال مالك: من لم يبت بها فعليه دم، ومن قام بها أكثر ليله فلا شئ عليه، لان المبيت بها ليلة النحر سنة مؤكدة عند مالك وأصحابه، لا فرض، ونحوه قول عطاء والزهري وقتادة وسفيان الثوري وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي فيمن لم يعد. وقال الشافعي: إن خرج منها بعد نصف الليل فلا شئ عليه، وإن خرج قبل نصف الليل فلم يعد إلى المزدلفة افتدى، والفدية شاة. وقال عكرمة والشعبي والنخعي والحسن البصري: الوقوف بالمزدلفة فرض، ومن فاته جمع ولم يقف فقد فاته الحج، ويجعل إحرامه عمرة. وروي ذلك عن ابن الزبير وهو قول الأوزاعي.
وروي عن الثوري مثل ذلك، والأصح عنه أن الوقوف بها سنة مؤكدة. وقال حماد ابن أبي سليمان. من فاتته الإفاضة من جمع فقد فاته الحج، وليتحلل بعمرة ثم ليحج قابلا.
واحتجوا بظاهر الكتاب والسنة، فأما الكتاب فقول الله تعالى: " فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام " وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم: (من أدرك جمعا فوقف مع الناس حتى يفيض فقد أدرك ومن لم يدرك ذلك فلا حج له). ذكره ابن المنذر.
وروى الدارقطني عن عروة بن مضرس: قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بجمع فقلت له: يا رسول الله، هل لي من حج؟ فقال: (من صلى معنا هذه الصلاة ثم وقف معنا حتى نفيض وقد أفاض قبل ذلك [من عرفات] (2) ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه).