المعنى لا تصانعوا بأموالكم الحكام وترشوهم ليقضوا لكم على أكثر منها، فالياء إلزاق مجرد.
قال ابن عطية: وهذا القول يترجح، لان الحكام مظنة الرشاء إلا من عصم وهو الأقل. وأيضا فإن اللفظين متناسبان: تدلوا من إرسال الدلو، والرشوة من الرشاء، كأنه يمد بها ليقضى الحاجة.
قلت: ويقوى هذا قوله: " وتدلوا بها " تدلوا في موضع جزم عطفا على تأكلوا كما ذكرنا. وفى مصحف أبى " ولا تدلوا " بتكرار حرف النهى، وهذه القراءة تؤيد جزم " تدلوا " في قراءة الجماعة. وقيل: " تدلوا " في موضع نصب على الظرف، والذي ينصب في مثل هذا عند سيبويه " أن " مضمرة. والهاء في قوله " بها " ترجع إلى الأموال، وعلى القول الأول إلى الحجة ولم يجر لها ذكر: فقوى القول الثاني لذكر الأموال، والله أعلم. في الصحاح:
" والرشوة معروفة، والرشوة بالضم مثله، والجمع رشى ورشى، وقد رشاه يرشوه. وارتشى:
أخذ الرشوة. واسترشى في حكمه: طلب الرشوة عليه ".
قلت - فالحكام اليوم عين الرشاء لا مظنته، ولا حول ولا قوة إلا بالله!.
السابعة - قوله تعالى: " لتأكلوا " نصب بلام كي. " فريقا " أي قطعة وجزاء، فعبر عن الفريق بالقطعة والبعض. والفريق: القطعة من الغنم تشذ عن معظمها. وقيل:
في الكلام تقديم وتأخير، التقدير لتأكلوا أموال فريق من الناس. " بالاثم " معناه بالظلم والتعدي، وسمى ذلك إثما لما كان الاثم يتعلق بفاعله. " وأنتم تعلمون " أي بطلان ذلك وإثمه، وهذه مبالغة في الجرأة والمعصية.
الثامنة - اتفق أهل السنة على أن من أخذ ما وقع عليه اسم مال قل أو كثر أنه يفسق بذلك، وأنه محرم عليه أخذه. خلافا لبشر بن المعتمر ومن تابعه من المعتزلة حيث قالوا:
إن المكلف لا يفسق إلا بأخذ مائتي درهم ولا يفسق بدون ذلك. وخلافا لابن الجباثى حيث قال: إنه يفسق بأخذ عشرة دراهم ولا يفسق بدونها. وخلافا لابن الهذيل حيث قال:
يفسق بأخذ خمسة دراهم: وخلافا لبعض قدرية البصرة حيث قال: يفسق بأخذ درهم فما