وتعدى " الرفث " بإلى في قوله تعالى جده: " الرفث إلى نسائكم ". وأنت لا تقول: رفثت إلى النساء، ولكنه جئ به محمولا على الافضاء الذي يراد به الملابسة في مثل قوله: " وقد أفضى بعضكم إلى بعض (1) ". [النساء: 21]. ومن هذا المعنى: " وإذا خلوا إلى شياطينهم " [البقرة: 14] كما تقدم (2). وقوله:
" يوم يحمى عليها " [التوبة: 35] أي يوقد، لأنك تقول: أحميت الحديدة في النار، وسيأتي (3)، ومنه قوله:
" فليحذر الذين يخالفون عن أمره (4) " [النور: 63] حمل على معنى ينحرفون عن أمره أو يروغون عن أمره، لأنك تقول: خالفت زيدا. ومثله قوله تعالى: " وكان بالمؤمنين رحيما (5) " [الأحزاب: 43] حمل على معنى رؤوف في نحو " بالمؤمنين رؤوف رحيم (6) " [التوبة: 128]، ألا ترى أنك تقول: رؤفت به، ولا تقول رحمت به، ولكنه لما وافقه في المعنى نزل منزلته في التعدية. ومن هذا الضرب قول أبي كبير الهذلي:
حملت به في ليلة مزءودة (7) * كرها وعقد نطاقها لم يحلل عدى " حملت " بالباء، وحقه أن يصل إلى المفعول بنفسه، كما جاء في التنزيل: " حملته أمه كرها ووضعته كرها (8) " [الأحقاف: 15]، ولكنه قال: حملت به، لأنه في معنى حبلت به.
الثالثة - قوله تعالى: " هن لباس لكم " ابتداء وخبر، وشددت النون من " هن " لأنها بمنزلة الميم والواو في المذكر. " وأنتم لباس لهن " أصل اللباس في الثياب، ثم سمي امتزاج كل واحد من الزوجين بصاحبه لباسا، لانضمام الجسد وامتزاجهما وتلازمهما تشبيها بالثوب. وقال النابغة الجعدي:
إذا ما الضجيع؟ ثنى جيدها * تداعت فكانت عليه لباسا وقال أيضا:
لبست أناسا فأفنيتهم * وأفنيت بعد أناس أناسا وقال بعضهم: يقال لما ستر الشئ وداراه: لباس. فجائز أن يكون كل واحد منهما سترا لصاحبه عما لا يحل، كما ورد في الخبر. وقيل: لان كل واحد منهما ستر لصاحبه فيما يكون بينهما من الجماع من أبصار الناس. وقال أبو عبيد وغيره: يقال للمرأة هي لباسك وفراشك وإزارك. قال رجل لعمر بن الخطاب: