الثاني: وهو قول مالك أن " من " يراد به الولي " وعفي " يسر، لا على بابها في العفو، والأخ يراد به القاتل، و " شئ " هو الدية، أي أن الولي إذا جنح إلى العفو عن القصاص على أخذ الدية فإن القاتل مخير بين أن يعطيها أو يسلم نفسه، فمرة تيسر ومرة لا تيسر. وغير مالك يقول: إذا رضي الأولياء بالدية فلا خيار للقاتل بل تلزمه. وقد روي عن مالك هذا القول، ورجحه كثير من أصحابه. وقال أبو حنيفة: إن معنى " عفي " بذل، والعفو في اللغة: البذل، ولهذا قال الله تعالى: " خذ العفو (1) " [الأعراف: 199] أي ما سهل. وقال أبو الأسود الدؤلي:
* خذي العفو مني تستديمي مودتي * [وقال (2) صلى الله عليه وسلم: (أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله) يعني شهد الله على عباده. فكأنه قال: من بذل له شئ من الدية فليقبل وليتبع بالمعروف. وقال قوم:
وليؤد إليه القاتل بإحسان، فندبه تعالى إلى أخذ المال إذا سهل ذلك من جهة القاتل، وأخبر أنه تخفيف منه ورحمة، كما قال ذلك عقب ذكر القصاص في سورة [المائدة] " فمن تصدق به فهو كفارة له (3) " [المائدة: 45] فندب إلى رحمة العفو والصدقة، وكذلك ندب فيما ذكر في هذه الآية إلى قبول الدية إذا بذلها الجاني بإعطاء الدية، ثم أمر الولي باتباع وأمر الجاني بالأداء بالاحسان].
وقد قال قوم: إن هذه الألفاظ في المعينين الذين نزلت فيهم الآية كلها وتساقطوا الديات فيما بينهم مقاصة. ومعنى الآية: فمن فضل له من الطائفتين على الأخرى شئ من تلك الديات، ويكون " عفي " بمعنى فضل.
[روى (2) سفيان بن حسين بن شوعة عن الشعبي قال: كان بين حيين من العرب قتال، فقتل من هؤلاء وهؤلاء. وقال أحد الحيين: لا نرضى حتى يقتل بالمرأة الرجل وبالرجل المرأة، فارتفعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عليه السلام: (القتل سواء) فاصطلحوا على الديات، ففضل أحد الحيين على الاخر، فهو قوله: " كتب " إلى قوله: " فمن عفي له من أخيه شئ " يعني فمن فضل له على أخيه فضل فليؤده بالمعروف، فأخبر الشعبي عن السبب في نزول الآية، وذكر سفيان العفو هنا الفضل، وهو معنى يحتمله اللفظ].