فعله، لجحدهم الحق وعداوتهم للدين وأهله، وكذلك كل من جاهر بالمعاصي كشراب الخمر وأكلة الربا، ومن تشبه من النساء بالرجال ومن الرجال بالنساء، إلى غير ذلك مما ورد في الأحاديث لعنه.
الثانية - ليس لعن الكافر بطريق الزجر له عن الكفر، بل هو جزاء على الكفر وإظهار قبح كفره، كان الكافر ميتا أو مجنونا. وقال قوم من السلف: إنه لا فائدة في لعن من جن أو مات منهم، لا بطريق الجزاء ولا بطريق الزجر، فإنه لا يتأثر به.
والمراد بالآية على هذا المعنى أن الناس يلعنونه يوم القيامة ليتأثر بذلك ويتضرر ويتألم قلبه، فيكون ذلك جزاء على كفره، كما قال تعالى: " ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا (1) "، ويدل على هذا القول أن الآية دالة على الاخبار عن الله تعالى بلعنهم، لا على الامر. وذكر ابن العربي أن لعن العاصي المعين لا يجوز اتفاقا، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتي بشارب خمر مرارا، فقال بعض من حضره: لعنه الله، ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم) فجعل له حرمة الاخوة، وهذا يوجب الشفقة، وهذا حديث صحيح.
قلت: خرجه البخاري ومسلم، وقد ذكر بعض العلماء خلافا في لعن العاصي المعين، قال: وإنما قال عليه السلام: (لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم) في حق نعيمان (2) بعد إقامة الحد عليه، ومن أقيم عليه حد الله تعالى فلا ينبغي لعنه، ومن لم يقم عليه الحد فلعنته جائزة سواء سمي أو عين أم لا، لان النبي صلى الله عليه وسلم لا يلعن إلا من تجب عليه اللعنة ما دام على تلك الحالة الموجبة للعن، فإذا تاب منها وأقلع وطهره الحد فلا لعنة تتوجه عليه. وبين هذا قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب (3)).