هذا الخطاب موجه لهم في الدنيا.
في الحقيقة أن المتقين يستضافون في الآخرة بكامل الاحترام والتقدير، ويخاطبون بهذه الجملة المليئة باللطف والحنان: كلوا واشربوا هنيئا وأما عبيد الدنيا فإنهم يخاطبون بجملة تهديدية في هذه الدنيا: كلوا وتمتعوا قليلا.
يقول للمتقين: بما كنتم تعملون ويقول لهؤلاء أيضا: إنكم مجرمون (1).
وعلى كل حال فإنها تشير إلى أن مصدر العذاب الإلهي هو عمل الإنسان وذنبه، الناشئ من عدم الإيمان أو الأسر في قبضة الشهوات.
ثم يكرر التهديد بجملة: ويل يومئذ للمكذبين هم أولئك الذين غرروا وخدعوا بزخارف الدنيا ولذاتها وشهواتها واشتروا عذاب الله.
وأشار في الآية الأخرى إلى عامل آخر من عوامل الانحراف والتعاسة والتلوث، وقال: وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون.
قال كثير من المفسرين: إن هذه الآية نزلت في " ثقيف " حين أمرهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصلاة فقالوا: لا ننحني فإن ذلك سبة علينا، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " لا خير في دين ليس فيه ركوع وسجود " (2).
إنهم لم يأبوا الركوع والسجود فحسب، بل إن روح الغرور والكبر هذه كانت منعكسة على جميع أفكارهم وحياتهم، فما كانوا يسلمون لله، ولا لأوامر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا يقرون بحقوق الناس، ولا يتواضعون لله تعالى وللناس.
في الحقيقة أن هذين العاملين (الغرور وحب الشهوة) من أهم عوامل