والقول بأن عزيرا ابن الله وإن كان غير ظاهر اليوم عند اليهود لكن الآية تشهد بأنهم كانوا يقولون ذلك في عصر النزول.
والظاهر أن ذلك كان لقبا تشريفيا يلقبونه به قبال ما خدمهم وأحسن إليهم في إرجاعهم إلى أورشليم (بيت المقدس) بعد اسارة بابل، وجمع لهم التوراة ثانيا بعد ضياعه في قصة بخت نصر، وقد كانوا يعدون بنوة الله لقبا تشريفيا كما يتخذ النصارى اليوم الأبوة كذلك ويسمون الباباوات والبطارقة والقسيسين بالاباء (الباب والبابا: الأب) وقد قال تعالى: " وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه " (المائدة: 18).
بل الآية الثانية أعني قوله: " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم " تدل على ذلك حيث اقتصر فيها على ذكر المسيح عليه السلام، ولم يذكر عزيرا فدل على دخوله في عموم قوله: " أحبارهم ورهبانهم " وأنهم إنما كانوا يسمونه ابن الله كما يسمون أحبارهم أبناء الله، وقد خصوه بالذكر وحده شكرا لاحسانه إليهم كما تقدمت الإشارة إليه.
وبالجملة وضعهم بعض أنبيائهم وأحبارهم ورهبانهم موضع الربوبية وخضوعهم لهم بمالا يخضع بمثله إلا لله سبحانه غلو منهم في دينهم ينهاهم الله عن ذلك بلسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم. وتقييد الغلو في الدين بغير الحق - ولا يكون الغلو إلا كذلك - إنما هو للتأكيد وتذكير لازم المعنى مع ملزومه لئلا يذهل عنه السامع وقد ذهل حين غلا أو كان كالذاهل.
وإطلاق الأب على الله سبحانه بتحليل معناه وتجريده عن وسمة نواقص المادة الجسمانية أي من بيده الايجاد والتربية، وكذلك الابن بمعناه المجرد التحليلي وإن لم يمنعه العقل لكنه ممنوع شرعا لتوقيفية أسماء الله سبحانه لما في التوسع في إطلاق الأسماء المختلفة عليه تعالى من المفاسد، وكفى مفسدة في إطلاق الأب والابن ما لقيته الأمتان:
اليهود والنصارى وخاصة النصارى من أولياء الكنيسة خلال قرون متمادية ولن يزال الامر على ذلك.
قوله تعالى: " ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن