وزهادا، وأنهم لا يستكبرون وذلك مفتاح تهيؤهم للسعادة.
وذلك أن سعادة حياة الدين ان تقوم بصالح العمل عن علم به، وان شئت فقل:
ان يذعن بالحق فيطبق عمله عليه، فله حاجة إلى العلم ليدرك به حق الدين وهو دين الحق، ومجرد ادراك الحق لا يكفي للتهيؤ للعمل على طبقه حتى ينتزع الانسان من نفسه الهيئة المانعة عنه، وهو الاستكبار عن الحق بعصبية وما يشابهها، وإذا تلبس الانسان بالعلم النافع و النصفة في جنب الحق برفع الاستكبار تهيأ للخضوع للحق بالعمل به لكن بشرط عدم منافاة الجو لذلك فإن لموافقة الجو للعمل تأثيرا عظيما في باب الأعمال فإن الأعمال التي يعتورها عامة المجتمع وينمو عليها أفراده، وتستقر عليهم عادتهم خلفا عن سلف لا يبقى للنفس فراغ أن تتفكر في أمرها أو تتدبر وتدبر في التخلص عنها إذا كانت ضارة مفسدة للسعادة، وكذلك الحال في الأعمال الصالحة إذا استقر التلبس بها في مجتمع يصعب على النفس تركها، ولذا قيل: ان العادة طبيعة ثانية، ولذا كان أيضا أول فعل مخالف حرجا على النفس في الغاية وهو عند النفس دليل على الامكان، ثم لا يزال كلما تحقق فعل زاد في سهولة التحقق ونقص بقدره من صعوبته.
فإذا تحقق الانسان أن عملا كذا حق صالح ونزع عن نفسه أغراض العناد واللجاج بإماتة الاستكبار والاستعلاء على الحق كان من العون كل العون على إتيانه أن يرى إنسانا يرتكبه فتتلقى نفسه إمكان العمل.
ومن هنا يظهر أن المجتمع إنما يتهيأ لقبول الحق إذا اشتمل على علماء يعلمونه ويعلمونه، وعلى رجال يقومون بالعمل به حتى يذعن العامة بإمكان العمل ويشاهدوا حسنه، وعلى اعتياد عامتهم على الخضوع للحق وعدم الاستكبار عنه إذا انكشف لهم.
ولهذا علل الله سبحانه قرب النصارى من قبول الدعوة الحقة الدينية بأن فيهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون، ففيهم علماء لا يزالون يذكرونهم مقام الحق ومعارف الدين قولا، وفيهم زهاد يذكرونهم عظمة ربهم وأهمية سعادتهم الأخروية والدنيوية عملا وفيهم عدم الاستكبار عن قبول الحق.
وأما اليهود فإنهم وإن كان فيهم أحبار علماء لكنهم مستكبرون لا تدعهم رذيلة