وهذا وجه لا بأس به لولا أن الآية مصدرة بقوله: " لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة " ونظيره في البعد قول بعض آخر: إن " من " في قوله " منهم " بيانية فإنه قول من غير دليل.
قوله تعالى: " أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم " تحضيض على التوبة والاستغفار، وتذكير بمغفرة الله ورحمته، أو إنكار أو توبيخ.
قوله تعالى: " ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام " رد لقولهم: " إن الله ثالث ثلاثة " أو لقولهم هذا وقولهم المحكى في الآية السابقة: " إن الله هو المسيح بن مريم جميعا، ومحصله اشتمال المسيح على جوهرة الألوهية، بأن المسيح لا يفارق سائر رسل الله الذين توفاهم الله من قبله كانوا بشرا مرسلين من غير أن يكونوا أربابا من دون الله سبحانه، وكذلك أمه مريم كانت صديقة تصدق بآيات الله تعالى وهى بشر، وقد كان هو وأمه جميعا يأكلان الطعام، وأكل الطعام مع ما يتعقبه مبنى على أساس الحاجة التي هو أول إمارة من إمارات الامكان والمصنوعية فقد كان المسيح عليه السلام ممكنا متولدا من ممكن، وعبدا ورسولا مخلوقا من امه كانا يعبدان الله، ويجريان في سبيل الحاجة والافتقار من دون أن يكون ربا.
وما بيد القوم من كتب الإنجيل معترفة بذلك تصرح بكون مريم فتاة كانت تؤمن بالله وتعبده، وتصرح بأن عيسى تولد منها كالانسان من الانسان، وتصرح بأن عيسى كان رسولا من الله إلى الناس كسائر الرسل وتصرح بأن عيسى وامه مريم كانا يأكلان الطعام.
فهذه أمور صرحت بها الأناجيل، وهى حجج على كونه عليه السلام عبدا رسولا.
ويمكن أن تكون الآية مسوقة لنفى ألوهية المسيح وامه كليهما على ما يظهر من قوله تعالى: " أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله " (المائدة: 116) أنه كان هناك من يقول بألوهيتها كالمسيح أو أن المراد به اتخاذها إلها كما ينسب إلى أهل الكتاب أنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، وذلك بالخضوع لها ولهم بما لا يخضع لبشر بمثله.