(هود: 50) وقوله لقومه: " قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان " (الأعراف: 71)، وقال تعالى يحكى عن لوط: " بل أنتم قوم مسرفون " (الأعراف: 81) وحكى عن إبراهيم من قوله لقومه: " أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون " (الأنبياء:
67) وحكى عن موسى في جواب قول فرعون له: " إني لأظنك يا موسى مسحورا " قال لقد علمت ما انزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا " (الاسراء: 102) أي ممنوعا من الايمان بالحق مطرودا هالكا، إلى غير ذلك من الموارد.
فهذه كلها من رعاية الأدب في جنب الحق واتباعه، ولا مطلوب أعز منه ولا بغية أشرف منه وأغلى، وإن كان في بعضها ما ينافي الأدب الدائر بين الناس لابتناء حياتهم على اتباع جانب الهوى والسلوك إلى أمتعة الحياة بمداهنة المبطلين والخضوع والتملق إلى المفسدين والمترفين سياسة في العمل.
وجملة الامر أن الأدب كما تقدم في أول هذه المباحث إنما يتأتى في القول السائغ والعمل الصالح، ويختلف حينئذ باختلاف مسالك الحياة في المجتمعات والاراء والعقائد التي تتمكن فيها وتتشكل هي عنها، والدعوة الإلهية التي تستند إليها المجتمع الديني إنما تتبع الحق كي الاعتقاد والعمل، والحق لا يخالط الباطل ولا يمازجه ولا يستند إليه ولا يعتضد به، فلا محيص عن إظهاره واتباعه، والأدب الذي يتأتى فيه أن يسلك في طريق الحق أحسن المسالك ويتزيى فيه بأظرف الأزياء كاختيار لين القول إذا صح أن يتكلم بلينة وخشونة، واختيار الاستعجال في الخير إذا أمكن فيه كل من المسارعة والتبطي.
وهذا هو الذي يأمر به في قوله تعالى: " وكتبنا له - أي لموسى - في الألواح من كل شئ موعظة وتفصيلا لكل شئ فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها " (الأعراف: 145) وبشر عباده الآخذين به في قوله: " فبشر عباد، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم اولوا الألباب " (الزمر: 18) فلا أدب في باطل ولا أدب في ممزوج من حق وباطل فإن الخارج من صريح الحق ضلال لا يرتضيه ولى الحق وقد قال: " فماذا بعد الحق إلا الضلال " (يونس: 32).