محاوراتهم الناس على اختلافهم المنقولة عن نوح فمن بعده، وقد روى الفريقان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم ".
وليعلم أن البعثة بالنبوة إنما بنيت على أساس الهداية إلى الحق وبيانه والانتصار له فعليهم أن يتجهزوا بالحق في دعوتهم، وينخلعوا عن الباطل ويتقوا شبكات الضلال أيا ما كانت سواء وافق ذلك رضى الناس أو سخطهم، واستعقب طوعهم أو كرههم ولقد ورد منه تعالى أشد النهى في ذلك لأنبيائه وأبلغ التحذير حتى عن اتباع الباطل قولا وفعلا بغرض نصرة الحق فإن الباطل باطل سواء وقع في طريق الحق أو لم يقع، والدعوة إلى الحق لا يجامع تجويز الباطل ولو في طريق الحق، والحق الذي يهدى إليه الباطل وينتجه ليس بحق من جميع جهاته.
ولذلك قال تعالى: " وما كنت متخذ المضلين عضدا " (الكهف: 51) وقال:
" ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا، إذن لأذقناك ضعف الحياة وضعف المماة ثم لا تجد لك علينا نصيرا " (الاسراء: 75) فلا مساهلة ولا ملابسة ولا مداهنة في حق ولا حرمة لباطل.
ولذلك جهز الله سبحانه رجال دعوته وأولياء دينه وهم الأنبياء عليهم السلام بما يسهل لهم الطريق إلى اتباع الحق ونصرته، قال تعالى: " ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا، الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا " (الأحزاب:
39) فأخبر أنهم لا يتحرجون فيما فرض الله لهم ويخشونه ولا يخشون أحدا غيره فليس أي مانع من إظهارهم الحق ولو بلغ بهم أي مبلغ وأوردهم أي مورد.
ثم وعدهم النصر فيما انتهضوا له فقال: " ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين، إنهم لهم المنصورون، وإن جندنا لهم الغالبون " (الصافات: 173) وقال: " إنا لننصر رسلنا " (المؤمن: 51).
ولذلك نجدهم فيما حكى عنهم لا يبالون شيئا في إظهار الحق وقول الصدق وإن لم يرتضه الناس واستمروه في مذاقهم، قال تعالى حاكيا عن نوح يخاطب قومه:
" ولكني أراكم قوما تجهلون " (هود: 29) وقال عن قول هود: " إن أنتم إلا مفترون "