تتقدمهم في النشوء كالنصارى وغيرهم حتى الوثنية من البرهمانية والبوذية، ففيهم من يسلك الطريقة حتى اليوم بل هي طريقة موروثة ورثوها من أسلافهم.
لكن لا بمعنى الاخذ والتقليد العادي كوراثة الناس ألوان المدنية بعضهم من بعض وأمة منهم متأخرة من أمة منهم متقدمة كما جرى على ذلك عدة من الباحثين في الأديان والمذاهب، وذلك لما عرفت في الفصول السابقة أن دين الفطرة يهدى إلى الزهد والزهد يرشد إلى عرفان النفس، فاستقرار الدين بين أمة وتمكنه من قلوبهم يعدهم ويهيؤهم لان تنشأ بينهم طريقة عرفان النفس لا محالة، ويأخذ بها بعض من تمت في حقه العوامل المقتضية لذلك، فمكث الحياة الدينية في أمة من الأمم برهة معتدا بها ينشئ بينهم هذه الطريقة لا محالة صحيحة أو فاسدة وإن انقطعوا عن غيرهم من الأمم الدينية كل الانقطاع، وما هذا شأنه لا ينبغي أن يعد من السنن الموروثة التي يأخذها جيل عن جيل.
9 - ثم ينبغي أن نقسم أصحاب القسم الثاني من القسمين المتقدمين وهم أهل العرفان حقيقة إلى طائفتين:
فطائفة منهم يسلكون الطريقة لنفسها فيرزقون شيئا من معارفها من غير أن يتم لهم تمام المعرفة لها لانهم لما كانوا لا يريدون غير النفس فهم في غفلة عن أمر صانعها وهو الله عز اسمه الذي هو السبب الحق الاخذ بناصية النفس في وجودها وآثار وجودها وكيف يسع الانسان تمام معرفة شئ مع الذهول عن معرفة أسباب وجوده وخاصة السبب الذي هو سبب كل سبب؟ وهل هو إلا كمن يدعى معرفة السرير على جهل منه بالنجار وقدومه ومنشاره وغرضه في صنعه إلى غير ذلك من علل وجود السرير؟.
ومن الحري بهذا النوع من معرفة النفس أن يسمى كهانة بما في ذيله من الحصول على شئ من علوم النفس وآثارها.
وطائفة منهم يقصدون طريقة معرفة النفس لتكون ذريعة لهم إلى معرفة الرب تعالى، وطريقتهم هذه هي التي يرتضيها الدين في الجملة وهى أن يشتغل الانسان بمعرفة نفسه بما أنها آية من آيات ربه وأقرب آية، وتكون النفس طريقا مسلوكا والله سبحانه